مجتمع

كيف يعيش المتملقون في المغرب؟!

دابا ماروك

تعد ظاهرة التملق من السلوكات الاجتماعية التي تُلاحظ في مختلف الثقافات، ولكنها تتخذ أشكالاً ودرجات مختلفة بحسب السياقات الاجتماعية والاقتصادية. في المغرب، تعكس هذه الظاهرة جوانب معقدة من الحياة اليومية، حيث تلعب دورًا في تشكيل العلاقات الاجتماعية والسياسية.

إن هؤلاء المتملقين يجيدون عبارات مثل “نعم اس”، “واخا سيدي”،  التي أصبحت شائعة في محيط العمل، وكأنها رموز تعكس ولاءهم المفرط. فهم يُظهرون في كل تفاعل لهم قدرة فريدة على استيعاب لغة المجاملات والإطراءات، بل ويحفزون أنفسهم على ترديد عبارات تحفظ عن ظهر قلب، تتلاءم مع مواقفهم المختلفة.

تختلف طبيعة حياة المتملقين؛ فبعضهم يعيش بشخصية مزدوجة، حيث يقضي وقته في العمل مذلاً أمام رؤسائه، مؤديًا دور “المطيع” الذي يرضي الجميع. لكن، ما إن تغرب الشمس وتترك المكاتب خلفها، حتى يتحول هؤلاء الأفراد إلى شخصيات أخرى، قادرة على الافتخار والتباهي. يتقمصون أحيانًا شخصية عنترة بن شداد، الفارس الشجاع في عهده، ويبدأون في التعبير عن آرائهم بثقة وجرأة، كأنهم لم يعرفوا يومًا ذل التملق والانحناء.

في هذه الحياة المزدوجة، يواجه هؤلاء الأفراد صراعًا داخليًا عميقًا. فمن جهة، يسعون للبقاء في دائرة النخبة من خلال التملق، ومن جهة أخرى، يشعرون بالتناقض بين شخصياتهم الحقيقية والأدوار التي يضطرون للعبها. هذه الديناميكية تجعل حياتهم مليئة بالتوتر والمشاعر المتناقضة، حيث يتنقلون بين العالمين بشكل يومي، دون أن يتوقفوا لحظة للتفكير في تأثير ذلك على هويتهم الحقيقية.

  1. التملق كوسيلة للبقاء

في السياقات المغربية، يجد الكثيرون أن التملق هو وسيلة للبقاء في مجالات العمل أو الحياة الاجتماعية. قد يؤدي التملق إلى الحصول على فرص عمل أفضل، أو تعزيز العلاقات مع أصحاب النفوذ. إذ يُعتبر إظهار الولاء والتقدير للشخصيات البارزة أمرًا ضروريًا في بعض الأحيان، مما يجعل المتملقين يعتمدون على هذه الاستراتيجية للتقدم في الحياة.

  1. التأثير على العلاقات الاجتماعية

التملق لا يؤثر فقط على العلاقات المهنية، بل يتعداها إلى الحياة الاجتماعية. في التجمعات الأسرية أو المجتمعية، يُلاحظ أن بعض الأفراد يحاولون تملق الآخرين لكسب الود والاحترام. ولكن، هذا النوع من التملق يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات الحقيقية، حيث يصبح الصدق والتواصل المباشر أقل أهمية.

  1. الهيمنة على القيم الاجتماعية

في المجتمعات المغربية، تظل القيم الاجتماعية مثل الاحترام والكرامة تتعرض للاختبار بسبب التملق. في بعض الأحيان، قد يتسبب التملق في تعزيز الهياكل الاجتماعية غير المتساوية، حيث يتم تقوية مكانة الشخصيات القوية على حساب الآخرين. هذا قد يعيق التغيير الاجتماعي ويُحافظ على الوضع الراهن.

  1. التأثيرات النفسية

يعيش المتملقون حالة من التوتر النفسي، حيث يحتاجون إلى المحافظة على صورة معينة قد تكون بعيدة عن شخصيتهم الحقيقية. في بعض الأحيان، يُعتبر التملق بمثابة وسيلة للتكيف مع الضغوط الاجتماعية، ولكنها قد تؤدي إلى شعور دائم بعدم الراحة والقلق. يعيش هؤلاء الأشخاص في صراع داخلي بين الرغبة في قبول المجتمع والتمسك بالقيم الحقيقية.

  1. نظرة المجتمع

في المجتمع المغربي، يُنظر إلى التملق بنظرات متفاوتة. بينما قد يُعتبر البعض أن التملق هو أسلوب ذكي في التعامل مع الحياة، يرون آخرون أنه تصرف غير أخلاقي. تنتشر انتقادات ضد المتملقين، إذ يُعتبرون أشخاصًا غير صادقين، مما يجعل التملق ظاهرة مثيرة للجدل.

  1. التغيرات الاجتماعية وتأثيرها

مع تغير القيم والأولويات في المجتمع المغربي، بدأ يظهر جيل جديد من الشباب الذي يميل إلى الصدق والانفتاح. هذا قد يؤدي إلى تراجع أهمية التملق في بعض الأوساط، حيث يفضل الشباب العلاقات المبنية على الصدق والمساواة.

  1. الترقي رغم الاحتقار والإهانات

رغم ما يتعرض له المتملقون من احتقار وإهانات متكررة من قبل بعض زملائهم أو رؤسائهم في العمل، إلا أنهم غالبًا ما يحققون ترقية في مناصبهم. يعتمد هؤلاء الأفراد على تملقهم كوسيلة للحصول على الفرص، حتى لو كان ذلك يتطلب منهم تحمل سلوكات غير مريحة. يعيشون يوميًا في المكاتب تحت ضغوطات نفسية واجتماعية، حيث يسعون دائمًا لإرضاء من هم في مناصب أعلى، حتى وإن كانوا يشعرون بالإهانة أو الازدراء. هذه الديناميكية تعكس تناقضًا في حياتهم، حيث يمكن أن يتقدموا في مسيرتهم المهنية رغم المعاملة السيئة التي يتلقونها.

خاتمة

يظل التملق سلوكًا معقدًا ومتجذرًا في بعض أوساط المجتمع المغربي، حيث يُعتبر جزءًا من الثقافة الاجتماعية والسياسية التي تشكل العلاقات بين الأفراد. يعكس هذا السلوك جوانب عديدة من التراث المغربي، الذي يتسم بالاحترام العميق للمكانة الاجتماعية والتقدير للسلطة. في سياق يتسم بالتنافس على المناصب والامتيازات، يُصبح التملق وسيلة شائعة للتقرب من الأشخاص ذوي النفوذ، مما يجعله استراتيجية فعالة للبقاء في البيئات الاجتماعية التي تفرض قيودًا معينة.

هذا السلوك يشتد في الأوساط المهنية، حيث تُعتبر المجاملات والتملق من الأساليب الأساسية للتكيف مع الضغوط اليومية. يعتقد العديد من الأفراد أن القدرة على التملق ستفتح أمامهم أبواب الفرص وتحقق لهم الترقيات. ومع ذلك، تؤدي هذه الديناميكية إلى تعزيز ثقافة التبعية والامتثال، مما يجعل من الصعب تحقيق التغيير الإيجابي في العلاقات المهنية.

علاوة على ذلك، يرتبط التملق بقضايا أوسع تتعلق بالعدالة الاجتماعية والمساواة. ففي ظل غياب الفرص المتساوية، يلجأ الأفراد إلى التملق كوسيلة للحصول على ما يحتاجونه، مما يساهم في تعزيز الفجوات الاجتماعية والاقتصادية. وعلى الرغم من وجود انتقادات واسعة لهذا السلوك، إلا أنه يظل جزءًا من الحياة اليومية للعديد من المغاربة، ويعكس التحديات التي تواجه المجتمع في سعيه نحو التقدم والعدالة.

وأخيرا، نؤكد أن الحذر من المتملقين يعتبر ضرورة مُلحّة، فهم يتقنون فن نقل الأخبار، سواء كانت حقيقية أو مزيفة، ويستخدمون ذلك لكسب ثقة رؤسائهم والتقرب منهم بأي وسيلة. يتمتع هؤلاء بقدرة على تغيير مواقفهم وأدوارهم بما يتناسب مع مصالحهم، مما يجعلهم قادرين على استغلال المعلومات وتشويه الحقائق لتحقيق مكاسب شخصية. لذلك، على الأفراد توخي الحذر من مثل هؤلاء الأشخاص، الذين يمكن أن يتحولوا إلى مصدر للفتن ونقل الأقاويل بهدف الحفاظ على موقعهم وتحقيق رضى من هم في السلطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى