سياسة

غرفة المستشارين: مملكة الديكور السياسي وغياب الفعل!

دابا ماروك

أصبح الحديث عن جدوى غرفة المستشارين في المغرب شبيهاً بمشاهدة فيلم قديم يعاد عرضه على شاشة التلفاز: كل مرة تعتقد أنك ستشاهد شيئًا جديدًا، لكنك تجد نفسك أمام نفس الأحداث المكررة والمملّة. لنكن صريحين: هذه الغرفة لم تكن يوماً سوى منصة لتوزيع الألقاب والامتيازات على الأصدقاء والأقارب، إذ لم يحدث في تاريخها أن نُفذت أي معارضة حقيقية تجاه القرارات المتخذة في الغرفة الأولى. إن التصويت في غرفة المستشارين أقرب إلى حفل تنصيب للأصدقاء في مناصبهم بدلاً من كونه عملية ديمقراطية ذات مغزى.

إذاً، ماذا لو قمنا بحذف هذه الغرفة من المعادلة السياسية؟ سيكون الأمر أشبه بإزالة قطعة من اللغز لا تؤثر على الصورة النهائية. لن يكسب الوطن شيئاً سوى الاستغناء عن تلك المصاريف التي تُصرف على كراسي لم تُستخدم سوى في زيادة وزراء “الديكور”. لنحصل على أموال تُنفق بالفعل في بناء مؤسسات تعليمية وصحية، أو لنقل: في فك العزلة عن العالم القروي الذي يبدو كأنه لا يزال يعيش في زمن الحجر الصحي.

وفي سياق آخر، بدلاً من توجيه الميزانية نحو غرفة المستشارين، لماذا لا نخصص هذه الأموال لتحويل ممثلي المأجورين إلى الغرفة الأولى؟ تخيلوا كم سيكون هذا مثيراً! لقد حان الوقت لتجربة شيء جديد، ولتتجاوز الأمور مجرد نقرات على زر “موافق” في كل مرة يُطرح فيها مشروع قانون. في هذه الحالة، سيُجبر المستشارون على ارتداء قبعات جديدة: تلك التي تُمثل مصالح المواطنين الحقيقية.

لنكن واقعيين، إن مجلس المستشارين مثل كائن أسطوري يُقال إنه موجود ولكنه غير مرئي، وكأنها مجرد خرافة نرويها للأطفال قبل النوم. لن يتغير شيء إذا أُزيلت هذه الغرفة، بل قد نكون أكثر كفاءة، ونستطيع أن نأمل أن يُفضي هذا إلى تنافس حقيقي بين السياسيين على تقديم حلول حقيقية للمشاكل اليومية.

فلنترك التنافس في المجال الذي يستحقه: الخدمات الصحية والتعليمية، وليتنافس السياسيون في من يستطيع بناء مدرسة أكثر أو مركز صحي أفضل. أما غرفة المستشارين، فلتبقى في صفحات التاريخ كأحد الألغاز الكبرى التي لم يفهمها أحد.

لذا، دعونا نتخيل عالمًا خاليًا من هذه الغرفة، حيث يُنفق كل درهم كان مخصصًا لها على تطوير البنية التحتية في القرى والأحياء المهمشة. فبدلاً من كراسي المستشارين الفاخرة، يمكننا تحويل تلك الأموال إلى مدارس تُنير عقول الشباب، ومراكز صحية تعالج آلام الفقراء، أو حتى شوارع تُعالج من الحفر التي تكاد تكون عبارة عن “ملاعب” للأطفال في بعض المناطق.

يمكنكم تخيل المناظر: زحمة الطوابير أمام المراكز الصحية، بينما الأطباء والممرضين يعملون بلا كلل، في حين يراقب المستشارون وهم يستعرضون بصماتهم على بعض الأوراق، وكأنهم قد أوجدوا الحلول السحرية لكل المشاكل. لكن في الحقيقة، ما هم سوى مشاهدين في مسرحية بلا نصوص، حيث يُصوّتون كما لو كانوا في مسابقة “من الأفضل؟” دون أن يتضمن الأمر أي تنافس فعلي.

وفي النهاية، لنأمل أن يأتي يوم يُدرك فيه الجميع أن غياب غرفة المستشارين لن يكون نهاية العالم، بل سيكون بداية جديدة لأفق أوسع من الإمكانيات. لعلهم يدركون أن التأثير الحقيقي ليس في عدد الكراسي المتاحة، بل في مدى تأثيرنا على الحياة اليومية للمواطنين. فدعونا نعمل على ما هو أهم: بناء مجتمع يسعى لتحقيق العدالة والتنمية، بدلاً من البحث عن المزيد من “الأقارب” في مجالات لا تتعدى الاجتماعات غير المثمرة.

دعونا نترك هذه الغرفة وراءنا، ونأمل أن نرى تجارب جديدة تُبنى على أسس عقلانية وفعالة، بدلاً من تلك التجارب الفاشلة التي كانت تُدرّس في قاعات الدرس كأمثلة عن كيف يمكن أن يصبح “التدبير المجاني” خرافة من الماضي. فلنفتح الأبواب لمستقبل يليق بنا، ولنبدأ بتغيير حقيقي يجعلنا نتنافس في ميدان الخِدمة وليس في ميدان التزكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى