الحسين اليماني الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز العضو في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول
في سعيه لتأمين احتياجاته من الطاقة، شرع المغرب مبكرًا في البحث عن البترول والغاز، وبدأ بتكرير المخزونات الأولى المكتشفة في نواحي سيدي قاسم بمصفاة الشركة الشريفة للبترول عام 1929. ومع تحقيق الاستقلال الوطني، عملت الحكومة المغربية الأولى على بناء مقومات الدولة المستقلة، فأقدمت في عام 1958 على تأسيس شركة سامير، بعد توقيع اتفاق بين الدولة المغربية، ممثلة في مكتب الدراسات المساهمات الصناعية (BEPI)، والحكومة الإيطالية برئاسة السياسي إنريكو ماتيي، المناهض لهيمنة الأخوات السبع، وممثلة في مكتب الهيدروكربونات ENI.
توالت بعد ذلك مخططات ومشاريع توسعة وتطوير صناعة تكرير البترول في المغرب، حيث كان المغرب يكرر تقريبًا جميع احتياجاته من المنتجات النفطية. لعبت شركة سامير دورًا متميزًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب من خلال خلق آلاف مناصب الشغل والمساهمة في تطوير الاقتصاد الوطني عبر استثمارات في مجالات متعددة مثل السياحة والتأمينات والبنوك والطرق السيارة. إلا أن البرلمان المغربي صادق في عام 1997 على قانون الخوصصة رقم 39-98، الذي أذن بتحويل منشآت عامة إلى القطاع الخاص، مستندًا إلى خطاب الملك الراحل الحسن الثاني في افتتاح الدورة الربيعية لمجلس النواب بتاريخ 8 أبريل 1988. وهكذا، تمت خوصصة شركة سامير والشركة الشريفة للبترول لصالح مجموعة كورال السعودية السويدية بمبلغ 380 مليون يورو، مع الالتزام بتنفيذ استثمارات تعادل قيمة التفويت حتى عام 2002.
وكان عدم تنفيذ هذه الاستثمارات السبب الرئيسي لحريق 2002 وإفلاس الشركة في 2015.
ورغم أن الخوصصة كانت تهدف إلى خلق مزيد من مناصب الشغل وجذب الاستثمارات الأجنبية وتأهيل الصناعات الوطنية لمواجهة تحديات العولمة وانفتاح الأسواق، فإن التدهور الواضح الذي شهدته شركة سامير بعد الخوصصة يبرز أن قرار الخوصصة والتفويت المباشر كان خطأً فادحًا وأدى إلى خسائر كبيرة في تاريخ المغرب المعاصر.
على ضوء هذه الخسائر، التي تشمل فقدان أكثر من 4500 وظيفة وتراكم ديون وغرامات تزيد عن 100 مليار درهم، بالإضافة إلى اختلال سوق المحروقات وزيادة أرباحها المفرطة وتهديد الأمن الطاقي وتدمير مشروع بناء وتطوير الصناعات الوطنية، فإن من الضروري اتخاذ خطوات عاجلة، بدون تأخير، تتمثل في:
- تفويت أصول شركة سامير: يجب نقل الأصول المطروحة للتصفية القضائية منذ 2016 إلى الدولة المغربية من خلال مقاصة الديون أو عبر الاكتتاب أو أي صيغة أخرى تضمن عدم تكرار التجربة الفاشلة. من الضروري الشروع الفوري في صيانة وتجهيز منشآت التكرير للاستفادة من فوائد هذه الصناعة.
- إعادة تأهيل الشركة: خلافًا لما يروج من ادعاءات مغلوطة، فإن شركة سامير ما زالت قادرة على الإنتاج في ظروف أفضل بعد صيانة شاملة في غضون سنة بميزانية لن تتجاوز 2.8 مليار درهم، وبطاقة إنتاجية قد تصل إلى 67% من الطلب الوطني على المنتجات البترولية، مما يزيد من المخزون الوطني.
- ضمان تلبية الاحتياجات الوطنية: بما أن المواد النفطية تشكل أكثر من 50% من المزيج الطاقي، يجب ضمان تأمين الحاجيات الوطنية منها، خاصة أن البترول ومشتقاته سيظل مسيطرًا على الأقل على ثلث المزيج الطاقي في العقود الثلاث القادمة.
- تطوير مصفاة المحمدية: يتعين تنفيذ المشروع المؤجل من عهد القطاع العام، لبناء الصناعات البتروكيماوية وتثمين الفائض من الصادرات، وربط المصفاة بالشبكة الوطنية للغاز الطبيعي لزيادة مردودية الشركة والمساهمة في مشاريع تحلية مياه البحر.
- الاعتناء بالموارد البشرية: يجب استرجاع آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، وتمتيع المأجورين والمتقاعدين بشركة سامير بكافة حقوقهم المعلقة منذ توقف الإنتاج، مع وضع برنامج مكثف للتكوين وإعادة التكوين وإطلاق عملية توظيف جديدة لتكوين خلف في صناعة البترول.
تتطلب هذه الخطوات اهتمامًا عاجلًا وجادًا لضمان استعادة قطاع الطاقة في المغرب إلى مجده وتحقيق الاستفادة القصوى من موارده.