دفاتر قضائية

لماذا الآن؟ الصحافة الفرنسية والخرائط التاريخية المغيبة لأكثر من ستة عقود: ضرورة نشر الخرائط لإحقاق الحق

محمد صابر

من المثير للاستغراب أن الصحافة الفرنسية قررت فجأة، بعد صمت طويل، إثارة موضوع الخرائط التاريخية التي تتعلق بالحدود بين الجزائر والدول المجاورة لها، والتي تعود لفترة الاستعمار. ورغم أن هذه المعلومات كانت معروفة ومتاحة لعقود، إلا أن الصحافة الفرنسية تجاهلتها تماماً ولم تنشرها حتى اليوم. فهل كان هذا التوقيت عشوائياً أم مدروساً بعناية؟ ولماذا اكتفت بنشر معلومات دون الخرائط ذاتها؟

الإجابة قد تكمن في التطورات الأخيرة، خاصة بعد اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء. هذا الموقف الفرنسي أغضب بعض الأصوات في الجزائر، التي دأبت على استخدام وسائل إعلامها الضعيف للهجوم على هذا الاعتراف، في محاولة يائسة للتشكيك فيه. رد فعل الإعلام الفرنسي، بإعادة إحياء موضوع الخرائط التاريخية، قد يكون رسالة موجهة إلى النظام الجزائري بأن فرنسا، التي ساهمت في تقسيم المنطقة، لم تنسَ تلك الحقائق، وأن إثارة هذا الموضوع يمكن أن يكون وسيلة للضغط على النظام الجزائري حتى يركع أكثر.

النظام الجزائري، الذي تُسيطر عليه ما يُعرف بـ”كابرانات” الجيش، لطالما استفاد من الغموض السياسي والتاريخي الذي خلفه الاستعمار. هذا النظام يعيش في “المياه العكرة”، حيث يجد في القضايا الشائكة وسيلة لإطالة نفوذه وتبرير سيطرته الداخلية. لكن ما يخشاه هؤلاء العسكريون حقاً هو كشف الحقائق التاريخية التي قد تقوض مكانتهم وتفضح الأرصدة المالية الضخمة التي يحتفظون بها في بنوك فرنسا وسويسرا. لذلك، أي مطالبة بنشر هذه الخرائط بشكل كامل قد تشكل تهديداً مباشراً لاستقرارهم، وتكشف عن مدى تواطئهم في قبول حدود رسمها الاستعمار لمصلحتهم.

الحدود الجزائرية مع الدول المجاورة:

المغرب:
الحدود الجزائرية المغربية تمتد على طول حوالي 1,550 كيلومترًا. هذه الحدود شهدت توترات عديدة، خصوصًا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية التي كانت محور خلاف دائم بين البلدين. أغلقت الحدود البرية بين الجزائر والمغرب منذ عام 1994، مما ساهم في تفاقم التوترات السياسية والاقتصادية بينهما.

تونس:
الجزائر تشترك مع تونس في حدود شرقية تمتد على حوالي 1,034 كيلومترًا. هذه الحدود تُعتبر بشكل عام مستقرة وهادئة مقارنةً بحدود الجزائر مع دول أخرى. العلاقات والمصالح المتبادلة بين البلدين جيدة، مع تعاون أمني واقتصادي ملحوظ.

ليبيا:
الحدود مع ليبيا تمتد على طول حوالي 982 كيلومترًا. بعد سقوط نظام القذافي في 2011، أصبحت هذه الحدود مصدر قلق أمني بسبب انتشار الجماعات المسلحة، وتجارة السلاح، وتهريب البشر. الجزائر تقوم بدور في تأمين حدودها مع ليبيا من أجل منع انتقال الفوضى إلى أراضيها.

النيجر:
الجزائر تشترك مع النيجر في حدود تمتد حوالي 956 كيلومترًا جنوبًا. هذه الحدود مهمة للغاية من الناحية الأمنية، حيث تمر عبر منطقة الساحل التي تُعتبر بؤرة لنشاط الجماعات الإرهابية. الجزائر تنشغل بشكل مستمر على مراقبة هذه الحدود لمنع التهريب والإرهاب.

مالي:
الحدود مع مالي تمتد على طول حوالي 1,359 كيلومترًا. مثل الحدود مع النيجر، تُعتبر هذه المنطقة حساسة للغاية من الناحية الأمنية بسبب نشاط الجماعات المسلحة في شمال مالي، وهو ما دفع الجزائر للمشاركة في الوساطة في محادثات السلام بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق.

موريتانيا:
الحدود الجزائرية الموريتانية تمتد على طول حوالي 463 كيلومترًا. هذه الحدود تُعتبر أقل حساسية مقارنةً بالحدود الأخرى، لكنها تقع أيضًا في منطقة صحراوية نائية قد تشهد أحيانًا تهريب السلع والأسلحة.

التوترات والتحديات:

على الرغم من التعاون مع بعض الدول المجاورة، مثل تونس والنيجر، تواجه الجزائر تحديات كبيرة على طول حدودها، خصوصًا مع المغرب بسبب قضية الصحراء، ومع ليبيا ومالي بسبب الأوضاع الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، الحدود مع المغرب مغلقة منذ عقود نتيجة للخلافات السياسية والتاريخية.

الحدود الجزائرية تشهد باستمرار نشاطًا تهريبيًا، سواء تعلق بالمخدرات، أو السلاح، أو تهريب البشر، مما يجعل مراقبتها تحديًا كبيرًا للأمن الجزائري.

الخلاصة:

رسم الحدود الجزائرية تم إلى حد كبير بناءً على التقسيمات التي فرضها الاستعمار الفرنسي، وهو ما خلق تحديات سياسية وأمنية ما زالت قائمة حتى اليوم.

المطالبة بنشر الخرائط التاريخية:

إن الطلب الملح الآن هو ضرورة نشر الخرائط التاريخية التي تم إغفالها لعقود، والتي تُظهر الحدود الحقيقية والتقسيمات التي فرضها الاستعمار الفرنسي. إن هذه الخرائط ليست مجرد وثائق تاريخية، بل هي مفاتيح لفهم السياقات السياسية الحالية، والتوترات الإقليمية المستمرة. كما أن نشر هذه الخرائط سيكون بمثابة خطوة مهمة نحو تحقيق الشفافية والعدالة التاريخية. فالشعوب، سواء في المغرب أو غيره، تستحق معرفة الحقائق الكاملة حول الحدود التي تقيد حياتهم وتحدد مصائرهم.

إن على الصحافة الفرنسية، التي تدعي الالتزام بالمبادئ الديمقراطية، أن تتحمل مسؤوليتها في نشر هذه الحقائق، وأن لا تبقى مجرد أداة في يد القوى السياسية التي تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة. إن التاريخ لا يُمكن أن يكون سلاحاً للابتزاز أو أداةً للتضليل، بل يجب أن يكون دليلاً للتفاهم والتسامح بين الشعوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى