فن وثقافة

الفنان الشعبي الساخر خليفة الغائب الحاضر

كل الذين عايشوا هذا المبدع في فن الحلقة يتذكرون بالأساس سخريته السوداء من كل شيء، من الموت، ولعل قصيدته المشهورة شاهدة على ذلك. تتراجع صورة الموت بهالتها التراجيدية إلى الخلف لينتقم اخليفة من سطوة هذا اللص، سارق الحياة، كاشفا لنا عن وجهه الكوميدي، لنقف في الأخير على تفاهة وعبث الحياة.

يسخر أيضا من سذاجة الكائن وضعفه، لنتذكر قصة البدوي، بائع العجل، مع بنت بريطل التي صهرتها المدينة، فانسلخت من إنسانيتها وتنكرت لكل القيم، بسبب الفقر ووقوعها ضحية شرطها الاجتماعي البئيس، لترمي بالبدوي النازح  بكل ارث الكبت الجنسي خارج البراكة بمجرد نفاذ رصيده من المال.

تتصيده الأمطار بدوره لينتهي نهايته المأساوية فور عودته إلى البادية، بعد أن التقاه والده غاضبا ويغرس في صدره “المدراة”.

نعم، نستحضر بنوع من الأسى سرعة بديهته على صنع الموقف الساخر دون تصنع أو تكلف أو تهريج.

عدته في كل ذلك “كمنجته” المتقشفة والبسيطة مثل بساطته، ثم قدرته على ارتجال الفكاهة والكلام الذي يصيب المتفرج في مقتل، ليتركه بعدها غارقا في الدهشة والضحك القاتل.

بموته خسرنا وجها ألفناه كثيرا وطبع مرحلة طفولتنا وفترة شبابنا. من دونه لم يعد للسوق الأسبوعي أي طعم أو مذاق.

معه ذهبت الضحكة البريئة الصادقة، معه غابت الفرجة الممتعة التي صنعها معه فناون آخرون كالحسناوي، ولد قربال، بوغطاط، الربيب، ومن ضمنهم الفقيه العبدي أيام كان الدين بعيدا عن السياسة وعن الناطقين باسم لاهوت الشرق والبترودولار.

فتحية لروحه المرحة.

عبد الحق المهداوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى