الحسد الخفي بين الشقيقات: عندما يصبح الحب ساحة للتنافس والمكائد
باريس: محمد أصحبي
كثيرة هي المواضيع الاجتماعية المسكوت عنها في المجتمعات العربية عمومًا، والمغربية خصوصًا، ومن بينها موضوع الحسد بين الشقيقات، الذي يظل حبيس الجدران العائلية ونظرات غير مفهومة تخفي وراءها مشاعر متضاربة. فحين تجد إحدى الشقيقات نفسها تعيش حياة طبيعية ومستقرة، ولو بقدر متواضع، قد تتحول هذه النعمة إلى لعنة في أعين أخواتها اللواتي يعانين من تعاسة أو شقاء في حياتهن.
بدلًا من أن تشكل هذه المعاناة المشتركة دافعًا للسعي لتحسين ظروفهن، تنقلب الأمور إلى ساحة للتنافس السلبي، حيث تلعب الغيرة دورها الخفي، وتحفّز بعضهن على افتعال مشاكل لتعكير صفو حياة الشقيقة التي تتميز بالهدوء وحسن النية. وهكذا، تتحول البراءة والطيبة إلى نقاط ضعف تُستغل بطرق ملتوية، تُشعل نار الخلافات وتُهدد استقرار الأسرة بأكملها. هذا الحسد الخفي لا يُعبر عنه بالكلام المباشر، بل يظهر في مواقف يومية تتخذ طابعًا عاديًا، لكنه يترك أثرًا نفسيًا عميقًا على الشقيقة المستهدفة، التي تجد نفسها في مواجهة غير متكافئة مع مشاعر دفينة تنخر في نسيج العلاقات الأسرية.
ما وراء الحسد الخفي؟
- الشعور بالمقارنة الدائمة: في كثير من الأسر، تتم مقارنة الشقيقات فيما بينهن بناءً على النجاحات الشخصية، الشكل، الوضع الاجتماعي، أو حتى الطريقة التي يتعامل بها الأهل مع كل واحدة. هذه المقارنة قد تخلق شعورًا دفينًا لدى إحداهن بأنها أقل شأنا، مما يؤدي إلى الحسد.
- التفاوت في الحظوظ الحياتية: إذا بدت حياة إحدى الشقيقات أكثر استقرارًا أو سعادة، سواء بسبب زواج ناجح، وظيفة مستقرة، أو سمعة طيبة في المجتمع، قد يُترجم ذلك لدى الشقيقات الأخريات على أنه “تفوق”، مما يثير لديهن مشاعر مختلطة من الغيرة والتنافس غير المُعلن.
- التنشئة العائلية وتأثيرها: التنشئة التي تعتمد على المنافسة أو التفضيل قد تجعل الشقيقات ينظرن إلى بعضهن كـ “خصوم” بدلاً من “حلفاء”. الأسلوب الذي يتبعه الأهل في توزيع الحب والاهتمام يُعتبر عاملًا محوريًا.
أشكال الحسد الخفي
- خلق المشاكل المفتعلة: تلجأ الشقيقة الحاسدة في بعض الأحيان إلى افتعال مشاكل تبدو عابرة، لكنها في الواقع موجهة نحو تعطيل سعادة الشقيقة الأخرى. قد تكون هذه المشاكل مرتبطة بتأجيج خلافات عائلية أو توجيه انتقادات مستترة.
- التشكيك في النوايا: أحيانًا تقوم الشقيقة الحاسدة بتفسير تصرفات أختها بشكل سلبي أمام الآخرين، في محاولة للتقليل من صورتها أو إثارة الشكوك حول نواياها.
- نشر الشائعات أو التلميحات: قد يتم اللجوء إلى نشر تعليقات أو شائعات صغيرة حول الشقيقة المستهدفة لتشويه سمعتها أو تقليل ثقة الأسرة والمجتمع بها
ما الذي يدفع إلى هذه التصرفات؟
- ضعف الثقة بالنفس: الشعور بالنقص الداخلي أو عدم الرضا عن الذات قد يدفع الفرد إلى التركيز على نجاحات الآخرين ومحاولة الانتقاص منها.
- الإحساس بالتجاهل: إذا شعرت إحدى الشقيقات بأن وجودها أو إنجازاتها لا يتم الاعتراف بها داخل الأسرة، فإنها قد تلجأ إلى السلوكيات السلبية لجذب الانتباه.
- الحاجة إلى إثبات الذات: في بعض الأحيان، يكون الحسد تعبيرًا عن رغبة دفينة في إثبات الذات أمام الأسرة أو المجتمع.
- تعزيز ثقافة الحوار: فتح قنوات الحوار بين الشقيقات يمكن أن يساعد في تقليص التوترات، حيث يمكن لكل شقيقة التعبير عن مخاوفها أو مشاعرها بدلًا من اللجوء إلى أساليب سلبية.
- التربية على تقبل الاختلاف: على الآباء غرس مفهوم أن لكل شخص مساره الخاص في الحياة، وأن الاختلافات بين الشقيقات ليست مدعاة للمقارنة أو التنافس.
- إبراز القيم العائلية: يجب أن يتم التأكيد على أهمية التآزر والدعم المتبادل بين الشقيقات، بدلًا من التركيز على الإنجازات الفردية.
- التوعية بمخاطر الحسد: فهم تأثير الحسد على الصحة النفسية والجسدية يمكن أن يشكل رادعًا قويًا للسلوكيات المدمرة
ختامًا
العلاقة بين الشقيقات هي واحدة من أعقد وأجمل العلاقات الإنسانية، حيث تحمل مزيجًا من الحب، التنافس، والدعم. لكن حين يتسلل الحسد الخفي الذي يعشش في القلوب المريضة، يتحول هذا الرابط إلى مصدر للألم والمعاناة. من خلال التوعية والتربية السليمة، يمكن للأسر أن تحافظ على توازن هذه العلاقة، وتجعلها ركيزة للسعادة والتآزر، بدلًا من أن تكون ساحة للغيرة والصراعات الخفية التي تنفضح مع مرور الزمن.