دابا ماروك
المغرب، ذلك البلد الذي يتباهى بتراثه العريق، وتاريخه الحافل، وثرواته الطبيعية التي تملأ الأرض وتغني الأفق، لا يبدو أنه يعير كثيرًا للكفاءات في مجالات السياسة والإدارة. الكفاءة في المغرب قد تكون مجرد كلمة نطلقها أثناء الاجتماعات، لكن الواقع يقول عكس ذلك تمامًا. فالمناصب الحساسة، والوظائف التي يجب أن تدار بواسطة الأذكياء والمتخصصين، غالبًا ما يتم توزيعها وفقًا لقاعدة “من تعرف” لا “ما تعرف”.
التوريث: الديناميكية الأسرية في السياسة المغربية
أولًا، لنأخذ مثالاً بسيطًا على التوريث في السياسة. هل فكرت يومًا في فكرة أن البنت، الأب، والأم قد يشكلون جميعهم فريقًا برلمانيًا؟ في المغرب، ذلك ليس خيالًا، بل هو الواقع الذي نعيشه. نرى بعض الأحزاب الحديثة النشأة التي لا تسير على أي برنامج سياسي منطقي، بل على “برنامج العائلة”. في هذه الأحزاب، لا شيء أهم من أن تكون لديك علاقة دم مع من يمتلك السلطة أو المال. ولا حاجة للكفاءة أو الخبرة! المهم أن تنتمي إلى “الطبقة الميسورة” و”الناس في الدائرة القريبة”.
الأمر لا ينتهي هنا، فالابنة تدرس في أمريكا، وتعود لتكون برلمانية، ثم تنتقل إلى مقاعد السياسة بفضل علاقة العائلة مع أصحاب القرار. وإذا كانت العائلة تتمتع بتلك “الصلات الذهبية” مع المخزن، فربما يصبح الابن أو الأب وزيرًا في يوم من الأيام، رغم أنهم لم يفعلوا شيئًا سوى الامتثال للأوامر العليا.
المحسوبية والزبونية: القاعدة الذهبية!
“المحبوبين فقط” هو الشعار الذي يرفع في العديد من المؤسسات المغربية، حيث توزع المناصب على حسب “الزبونية” و”المحسوبية”، وتستمر حلقة الفساد بلا نهاية. يصبح وزير الثقافة شخصًا لم يقرأ كتابًا في حياته، ولا يعرف الفرق بين الرواية والشعر، ولكنه على الأقل يعرف كيف يرضي المخزن. إذا أردت أن تصبح مسؤولًا في المغرب، عليك فقط أن تكون على علاقة قوية بـ “الطاحونة”، أو ربما تمتلك علاقة “حماتي” التي تملك القوة الحديدية لتجعلك نجمًا سياسيًا من العيار الثقيل. أليس هذا كل ما تحتاجه؟
هل رأيت يومًا كيف يتم الترقية في بعض الوزارات؟ إنها لعبة سياسية تتعلق بالولاءات الشخصية أكثر من كونها استحقاقًا فكريًا. الكفاءات؟ إن أردت أن تكون كفئًا، يجب أن تكون على استعداد لدفع الثمن.
المناصب تُباع في الكواليس
أما إذا كنت تبحث عن طريقة أخرى للوصول إلى المناصب، فإن الكواليس المغربية تقدم لك فرصة رائعة! في هذه الكواليس يتم بيع المناصب في مزادات سرية، حيث تتغير الوجوه وتظل نفس الوجوه السياسية العتيقة على رأس المناصب. لا يهم إن كنت كفئًا أو غير ذلك، المهم أن يكون لديك “الثمن”.
هذه هي السياسة الحقيقية في المغرب، حيث لا تحتكم الأمور إلى الكفاءة، بل إلى التفاهمات والتسويات غير العلنية. وهذا يشمل حتى المناصب العليا، حيث يمكن لشخص ليس لديه أي خبرة أن يصبح وزيرًا، فقط لأنه “على علاقة طيبة” مع الأشخاص الذين يقررون المصير السياسي للبلاد.
الخلاصة
في النهاية، يمكننا القول أن المغرب لا يحترم الكفاءات في المناصب السياسية والإدارية. بل على العكس، يقوم بتوريث المناصب وتوزيعها على أساس المحسوبية والزبونية. كما أن الوضع السياسي في البلاد يعكس واقعًا يتم فيه إقصاء أصحاب الكفاءات الحقيقية، ويتم تفضيل العلاقات والولاءات الشخصية على حساب العمل الجاد والمثابرة. في بلد مثل المغرب، حيث تجد أن المناصب تُورث في العائلة الواحدة أو تُباع في الكواليس، فإن الكفاءة قد تصبح مجرد سراب يبحث عنه الجميع دون أن يصلوا إليه.