مجتمع

الفراق بين الطفولة وفراق الزوجين: كيف يختلف الألم والتعاطي مع الفراق

دابا ماروك

تبدأ رحلة الطفولة غالبًا بتجارب صغيرة ومؤثرة، مثل التخييم مع الأقران تحت إشراف مدرب أو مدربة. في هذه الأجواء الطبيعية، سواء على شاطئ البحر أو في أعالي الجبال، يعيش الأطفال تجربة فريدة ومليئة بالدروس التي تتجاوز الأناشيد وتنظيم الأوقات. يتعلمون النظام والتعاون، ويشكلون صداقات عفوية وبريئة، في بيئة لا تزال نقيّة بالنسبة لعقولهم وقلوبهم. هؤلاء الصغار ينغمرون في الطبيعة ويستمتعون بكل لحظة، ليصبح كل يوم مغامرة جديدة ومليئة بالاكتشافات.

لكن مع انتهاء فترة التخييم، يأتي يوم الفراق، وهو اليوم الذي يكشف الجانب العاطفي الأعمق في قلوبهم. فجأةً، يجد الطفل نفسه مضطرًا لتوديع الأصدقاء والمدربين والأماكن التي تعلق بها. يفيض الحزن ويصبح البكاء مشهدًا طبيعيًا، يعبر عن مشاعر ألفة كسبها الطفل في فترة قصيرة، لكنها مؤثرة جدًا. هذا الوداع يترك أثرًا عميقًا في ذاكرة الطفل، حيث يظل يتذكر تلك اللحظات والصداقات لفترة طويلة، وكأنها جزء لا يتجزأ من هويته.

لكن ماذا يحدث عندما يكبر الإنسان؟ عندما يعبر مراحل الطفولة، ويعيش تجارب الحياة الأكثر تعقيدًا مثل الزواج والإنجاب؟ بعد سنوات من العيش المشترك، قد يفترق الزوجان بالطلاق لأسباب متعددة -خلافات، انعدام التفاهم، أو ضغوط الحياة-. الغريب هنا، أنه رغم عمق العلاقة التي كانت تجمعهما -حياة مشتركة وأطفال، وربما ذكريات لا تعد- يبدو الفراق وكأنه “شيء لم يكن”. على عكس فراق الطفولة، الذي يتسم بالعاطفة القوية، يكون طلاق البالغين غالبًا أكثر برودة أو جمودًا، رغم أنه ينهي علاقة كانت تمتد لعقود أحيانًا.

هذا التباين العميق يطرح تساؤلات: لماذا يبدو الفراق في الطفولة مؤلمًا بشدة بينما الفراق بين الزوجين، رغم قوة الروابط، يُقبل بقدر أكبر من اللامبالاة أو القبول؟ هل يعود ذلك لأن الأطفال أكثر صدقًا مع مشاعرهم، في حين يصبح البالغون أكثر قسوة أو متحفظين بعد تجارب الحياة؟ أم أن المجتمع يفرض نوعًا من التكيف النفسي تجاه الطلاق، ليصبح مجرد “جزء من الحياة” لا يستحق الحزن العميق؟

يبقى أن نلاحظ أن كلا الفراقين، سواء كان فراق الطفولة أو الطلاق، يتركان أثرًا لا يمحى. الفراق الأول يحمل براءة العلاقات الإنسانية في بداياتها، حيث يتعلم الطفل لأول مرة معنى التعلق والتوديع. بينما الطلاق يمثل نضجًا في مواجهة الحياة، لكنه أيضًا يجسد شعورًا بالفقد الذي قد يكون أقسى بسبب التجارب المشتركة والسنوات الطويلة التي تمضي دون رجعة.

في النهاية، يبقى الإنسان عاجزًا أمام الفراق بجميع أشكاله، سواء كان طفلاً يودع أصدقاءه أو بالغًا ينهي زواجًا، والتجربة في الحالتين تظل محفورة في الذاكرة، وإن اختلفت طريقة التعبير عن الألم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى