فن وثقافة

القفطان المغربي: تراث مغربي أصيل والتاريخ أكبر شاهد

ظل القفطان المغربي محسوبا على الفساتين التقليدية المغربية، حيث يتميز بألوانه وأنماطه المختلفة، وقد أصبح خلال السنوات الأخيرة من الفساتين المشهورة، وذلك بسبب تميزها ورقيها وجمالها، حيث صار يتواجد في مختلف عروض الأزياء حول العالم. وهو أمر يغيض الجيران الذين لم يكتفوا بسرقة التراث المغربي على اختلافه أمام أنظار العالم الذي يعرف كيف يميز بين الصادق والكاذب، بل هرولوا في سباق سريع مع الزمن لدى منظمة اليونسكو من أجل تسجيل أمور من صنع مغربي خالص كالكندورة والجابادور والملحف وغير ذلك. ونحن إذ لا نشكك في مصداقية هذه المنظمة، فإن الجيران يركضون وراء السراب لجني الريح. والحمد لله أن لنا جيران آخرين كاسبانيا والبرتغال اللذين استعانا بنا في ملف مشترك لاحتضان كأس العالم، حيث ربحنا رهانا أغاض الحاقدين وسيبقى شوكة في علقهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

نقول هذا، وتفيد مصادر مختلفة وجادة أن أصول القفطان المغربي، تعود إلى القرن الثاني عشر ميلادي خلال عهد سلاطين الدولة الموحدية، حين كان سلاطين الدولة آنذاك يبحثون على لباس متميز ومهيب يليق بمكانة السلطان المغربي.

واستجابة لذلك، صنع القفطان المغربي من لباس قبائل مغربية ومزجه مع منسوجات السفيفة والعقاد بمدينة فاس، سنة 600 هجرية الموافق ل 1203 ميلادية، وهو ما جاء في كتاب “ليون الإفريقي” الذي أكد أن العاصمة العلمية فاس كانت تضم معامل خاصة بنسج الثياب، حيث كان القفطان المغربي يصنع، وقد أحصى 25 دار للنساجين في أبنية كثيرة ذات طوابق متعددة وقاعات فسيحة شبيهة بقاعات القصور. وكل قاعة تضم عددا كبيرا من عمال نسج الكتان، إضافة إلى 150 معملا لقصاري الخيوط.

جدير بالذكر أنه خلال نفس القرن، أي 12، ظل القفطان المغربي داكن اللون بأكمام قصيرة، يرتدى من طرف الرجال ومن فوقه قطعة سوداء أقصر من الظهر لتسهيل المشي أو البرنوسن، حيث الجزء الأمامي من هذا الأخير داكن اللون أيضا ومن الصوف وغالبا ما كان يلبس مع الجلباب الرجالي المغربي في ركوب الخيل.

وخلال عهد المرنيين، أصبح القفطان المغربي هو الزي الذي يرتديه السلاطين، وفي القرن 15 الموافق للعد الوطاسي، ظل القفطان المغربي لباسي نسويا بمدينة فاس، حيث ذكره “ليون الإفريقي” في كتابه “لباس النساء جميل، إلا  أنهن في أيام الحر سوى قميص يحزمنه بنطاق لا يخلو من قبح، ويلبسن في الشتاء ثيابا عريضة الأكمام ومخيطة من الأمام مثل ثياب الرجال”.

كان من عادة أهل فاس، تقديم قفاطين مغربية مع جهاز العروس خلال العهد الوطاسي، الشيء الذي لا يزال المغاربة يصرون على الحفاظ عليه. ومن جهته، يقول المؤرخ إبراهيم حركات ” وتقضي العادة أن يقدم ثلاثة قفاطين، ثلاثة فساتين وعدة أقمصة وشربيلا (نعل مغربي) وأغطية للفرش مزخرفة ووسائد وثمانية فرش وأربع وسائد مطرزة توضع إلى جانب الصوانين بالإضافة إلى زربية وثلاث اغطية لسريرنوم وأشياء أخرى. جهاز (دهاز) المرأة كان يكبد الرجل المتوسط الحال نفقات باهظة لا تلبث تفقره، أما والد الخطيبة فيتحمل من ذلك أضعافا مضاعفة”. الأمر الذي أكد ارتباط القفطان المغربي بالثقافة.

أما المنصورية أو “الدفينة”، فهو زي مغرب مستوحى من القفطان المغربي ارتبط بالسلطان المنصور الذهبي. لباس مكون من قطعتين السفلية أو الدفينة عبارة عن قفطان مغربي من ثوب سميك.

وفي القرن 16، كان القفطان المغربي النسائي مصنوعًا عمومًا من الصوف الأزرق أو القماش الحريري ومزين بخيوط ذهبية. القفطان كان بلا أكمام ومغلق بأزرار ذهبية. كان الحزام أو  المضمة عبارة عن وشاح حريري غني باللآلئ، مكملا بغطاء ذهبي طويل، تم ربطه كالذيل في أجزائه الداخلية ويصل إلى الأرض.

والفوقية عبارة عن قفطان مغربي شفاف. يقول المؤرخ أحمد بن خالد الناصري في كتابه الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى . “إِن اللبَاس الْمُسَمّى بالمنصورية وَهُوَ لِبَاس من الملف لم يكن مُسْتَعْملا قبله وَهُوَ أول من اخترعه وأضيف إِلَيْهِ فَقيل المنصورية”…

ولعل اهتمام ملوك وسلاطين الدولة العلوية بهندامهم وأناقتهم، جعل القفطان جزءا من لباسهم المخصص للظهور في المناسبات والحفلات التي تقام في القصر. ويذكر مؤرخ الدولة العلوية ونقيب أشرافها مولاي عبد الرحمان بن زيدان في كتابه أن السلاطين العلويين كانوا يحتفظون بالقفاطين المصنوعة من ثوب الملف في صناديق خشبية ومكسوة.

وخلال القرن السابع عشر، كان القفطان المغربي النسائي  لباسا فضفاضا مصنوعا من الصوف أو المخمل أو أي لون ويغطي الجسم كامله، الا أنه كان مفتوحا من العنق وكان لهذا النمط طوقا أو خطا على مستوى الخصر وكان حواف القفطان مطرزة بخيوط ذهبية. بالإضافة إلى ذلك، تم تثبيت القفطان بأحزمة واسعة مصنوعة من الحرير والذهب الذي يحيط الخصر. وكان القفطان المغربي يرتدى من طرف العروس خلال حفل الزفاف بالمغرب.

وهكذا، أصبح القفطان المغربي النسائي في القرن الثامن عشر بطول الكاحل ومفتوحا من الجانب فقط وتغير شكله ليصبح لباسا يشبه المعطف بأكمام طويلة، وعادة ما يكون مصنوعا من الصوف أو المخمل أو القطن مرفقا بحزام تضعة المرأة المغربية حول خصره.

خلال القرن التاسع عشر، ظلت القفاطين التقليدية للمرأة المغربية موجودة إلى حدود الآن في المتاحف. بعضها في متحف الوداية بالرباط. وشاهده الباحثون في سبتمبر 1977. كانت جميع القفاطين مفتوحة في المقدمة وتم تجميعها معًا بواسطة العديد من الأزرار “العقاد” والحلقات الصغيرة، وكان لديهم شقوق جانبية. أيضا، كان لديهم حزام يدور حول الخصر. صُنع الحزام من الديباج على شكل خيط من الفضة أو الذهب. كانت المرأة المغربية ترتدي “شربيلا” خاصا مصنوعا من جلد مخملي أو جلد مغربي ومطرزة بخيوط ذهبية.

استخدمت النساء المغربيات الحجاب أو اللثام لتغطي وجهها مع هذا القفطان التقليدي.

القفطان المغربي، هدية للجزائريين اللاجئين إلى المغرب إبان الاحتلال الفرنسي

احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830، وذلك بعد انهيار الحكم العثماني بها، فنزح أزيد من 700 جزائري إلى المغرب هاربين من بطش الفرنسيين وأمر السلطان المغربي عبد الرحمان بن هشام والي مدينة تطوان عبد الرحمان أشعشع إعطاء كل جزائري قفطانا مغربيا كما أمر بإيوائهم وإكرامهم وكذا إدماجهم في المجتمع التطواني خصوصا أن معظم اللاجئين الجزائريين كانوا فقراء ودون حرفة. وقد وردت رسالة السلطان لخادمه بتطوان الآتية:

“نأمر خذمينا القائد عبد الرحمان أشعاش ان يدفع لخيل أهل تطوان الواردين من حضرتنا قفطان ملف، لكل واحد منهم”.

نسوق هذا ولن نزيد.

مقالات ذات صلة

‫25 تعليقات

    1. تابع يا أخي جزاك الله خيرا يجب تسلي الضوء على ثراتنا و إرسال رسائل لوزير و الوزارة #الجزاير_تسرق_الجبادور_الملحفة_و_القفطان_المغربي

  1. #الجزائر_تسرق_الجبادور_الملحفة_و_القفطان_المغربي

    نشكرك كل الشكر على مجهوداتك والله العظيم انك تعمل أكثر من معضم المسؤولين .
    أعانك الله وإيانا على هذه المعركة الشرسة

  2. الجزائر تسرق كل ثرات المملكة المغربية وتزور التاريخ والمطبخ المغربي والزليج الفسيفساء والجبص والنقش على الخشب وعلى النحاس والفخار كل ما تراه أعينهم يسطون عليه اعتقاداً منهم أنهم سيصنعون لهم تاريخ بسرقة المملكة المغربية

  3. بارك الله فيك أخويا والله يرحم الوالدين، ونتمناو هاذ المقال يلحق سيدنا لأن معندناش الثقة فداك وزير الثقافة اللي يخليك تشك ياك ماشي ديال الهكيين ماشي ديالنا. و الله الوطن الملك
    #الجزائر_تسرق_الملحفة_الجبادور_و_القفطان_المغربي

  4. مقال قيم عن #القفطان_المغربي_الاصيل ماشاء الله واصل استاذي الفاضل.
    #الجزاءر_تسرق_الجبادور_الكندورة_الملحفة_القفطان_المغربي

  5. شكرا استاذ صابير على هذا المقال الرائع بخصوص القفطان المغربي 🙏🏻🙏🏻🇲🇦🇲🇦
    #الجزائر_تسرق_الجابادور
    _الملحفة_و_القفطان_المغربي

  6. الجزائر أنشأت من طرف فرنسا كبلد وظيفي لتمرير و تكريس سياستها في شمال إفريقيا و خصوصا لمعاكسة مصالح المملكة الشريفة و عرقلة أي تقدم للمغرب و لبلدن المغرب الكبير؛ أما من ناحية السرقة للتراث الثقافي المغربي الممنهجة من طرف النظام العسكري الفرنسي الحاكم في الجزائر فهي تدل على عجز هذا النظام و من صنعه في وقف تقدم هذه الأمة المغربية و أرادوا من خلال هذه السرقات أن يشوشو على انتشار الثقافي المغربي في العالم فلا تخافوا من هؤلاء الفقاقير المشوهين جينيا لا يعرفون أين يتجهون.

  7. نشكرك على هذا المحتوى الراقي والجميل.
    يجب على المسؤولين المغاربة التحرك لصد تحركات السراق من الجارة الجزائرية وغيرها. التحرك نحو المنظمات الدولية بالاهتمام على المؤرخين والجغرافيين المغاربة وكتب التاريخ من قبيل إبن بطوطة. ليوم الافريقي أو الحسن الوزان، ابن عذاري، الناصري، البكري، الشريف الادريسي وكذلك ابن خلدون غيره ممن عاشوا في المغرب ثم الاعتماد على المنقوشات والورشات الموجودة المادية التراث المتبقي المعنوي وشهادات الدول الاجنبية والعلاقات المغربية الاسبانية في القديم حول التاريخ والتراث.

  8. #الجزاءر_تسرق_الملحفة_الجبادور_والقفطان_المغربي.
    لا للسطو وخنشلة موروتنا وتراتنا المغربي من طرف فقراء التاريخ وعديمي الهوية.

  9. كفيت ووفيت، معلومات تاريخية قيمة وجد مهمة، شكرا جزيلا لدفاعك المستميت على التراث المغربي العريق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى