م-ص
في زوايا الأزقة الضيقة للمدن المكتظة، وفي الهضاب المعزولة التي تنام على أطراف القرى، ثمة قصص تُروى بمرارة لا تنتهي. هي حكايات مواطنين مغاربة يتأرجحون بين واقع يزداد قسوة وأحلام مؤجلة إلى أجل غير مسمى. وفيما تتعاقب الحكومات بتعهدات منمقة وخطط اقتصادية معلنة، يبقى جدار الفقر مرتفعًا، يفصل بين المغاربة ومستقبلهم المنشود.
إنه جدار ثقيل، شُيّد بعوامل مُركّبة ومعقدة؛ سياسات اقتصادية قصيرة النظر، اختلالات اجتماعية مستفحلة، وتفاوت مجالي يجعل خيرات البلاد حكرًا على المركز، بينما تعيش الأطراف في فقر مدقع. لم يعد الفقر في المغرب مجرد رقم يُسجّل في التقارير الرسمية، بل أصبح معيشًا يوميًا يُترجم في معاناة الشباب، في غياب الخدمات الأساسية، وفي هجرة العقول والأيدي نحو أفق غائم.
متى ينهار هذا الجدار؟ سؤال لم يعد يُطرح بصيغة استنكارية فحسب، بل بصيغة التحدي. المغاربة اليوم يقفون على حافة صبرهم، وقد أدركوا أن الفقر ليس قَدَرًا محتومًا، بل نتيجة سياسات تحتاج إلى مساءلة، وإلى إرادة سياسية تُعطي الأولوية للإنسان، لا للأرقام على الورق.
- السياق الاجتماعي والاقتصادي للفقر بالمغرب
رغم التصريحات الرسمية حول تحسين المؤشرات الاقتصادية والاستثمارات الكبرى، ما زالت الهوة تتسع بين الطبقة الغنية وشرائح واسعة من المجتمع التي تئن تحت وطأة الفقر.
- نسب الفقر والهشاشة: وفقًا لإحصائيات رسمية ودولية، يعيش الملايين من المغاربة تحت خط الفقر، بينما تتضاعف نسبة الهشاشة في القرى والمناطق المهمشة.
- البطالة: الفئة الشابة، التي تمثل ركيزة أي مستقبل، تُعد أكثر فئة معنية بالبطالة وغياب فرص العمل، وهو ما يفتح الباب أمام هجرة الكفاءات أو السقوط في أزمات نفسية واجتماعية.
- سياسات الحكومات: أين يكمن الخلل؟
رغم الوعود المتكررة بمحاربة الفقر، فإن البرامج الحكومية غالبًا ما تبقى قاصرة على معالجة الجذور الحقيقية للمشكلة:
- غياب التخطيط الاستراتيجي: الحكومات تنتهج حلولًا ترقيعية بدل سياسات اقتصادية مدروسة تُركز على العدالة الاجتماعية.
- ضعف القطاعات الحيوية: الصحة والتعليم أساس بناء مستقبل كريم، لكن الواقع يشي بتراجع هذه القطاعات بشكل ملحوظ.
- البيروقراطية والفساد: تشكل الممارسات الفاسدة حجر عثرة أمام أي محاولات جدية للنهوض بالاقتصاد المغربي.
- بين الفقر والمستقبل: الأمل الضائع؟
الشباب المغربي، الذي يُفترض أن يكون الأمل لبناء المستقبل، يجد نفسه محاصرًا بين:
- ضعف فرص الشغل: حتى الحاصلون على شواهد جامعية يتخبطون في دوامة “البطالة المقنعة” أو يشتغلون في مهن لا تناسب مؤهلاتهم.
- الهجرة غير النظامية: تتزايد رغبة الشباب المغربي في ركوب “قوارب الموت” بحثًا عن مستقبل أفضل، ليواجهوا مصيرًا مجهولًا خارج الوطن.
- غياب المشاريع التنموية المحلية: المناطق النائية تُركت مهمشة بلا بنية تحتية أو فرص للاستثمار، مما يدفع أبناءها نحو المدن أو الهجرة.
- تداعيات استمرار هذا الوضع
- فقدان الثقة في المؤسسات: عندما لا يرى المواطن المغربي انعكاس السياسات على حياته اليومية، تتسع فجوة الثقة بينه وبين الحكومة.
- الاحتقان الاجتماعي: تكرار الاحتجاجات في عدة مدن وقرى (كما في جرادة، الحسيمة، وزاكورة) يُنذر بأن تجاهل صوت الشعب قد يؤدي إلى انفجارات اجتماعية.
- تأثيرات اقتصادية سلبية: استمرار الفقر والهشاشة يُضعف الاستهلاك الداخلي، ما ينعكس على الاقتصاد الوطني.
- نحو حلول واقعية ومستدامة: ما المطلوب؟
لإزالة الجدار الفاصل بين الفقر والمستقبل، يحتاج المغرب إلى:
- إصلاح حقيقي للمنظومة التعليمية: التعليم الجيد هو مفتاح رفع الكفاءات وتأهيل الشباب لسوق الشغل.
- تشجيع الاقتصاد الاجتماعي: دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تُشغل اليد العاملة المحلية.
- العدالة المجالية: تحقيق التنمية المتوازنة في كل الجهات، خاصة المناطق المهمشة.
- محاربة الفساد: بناء مؤسسات شفافة تُحسن توجيه الثروات الوطنية نحو التنمية بدل تبديدها.
- سياسات تشغيل فعّالة: خلق فرص شغل لائقة ومنتجة خصوصًا للشباب عبر تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية.
خاتمة: متى ينهار الجدار؟
إذًا، الجدار بين الفقر والمستقبل لن ينهار دون إرادة سياسية قوية، تتبنى رؤية تنموية حقيقية تُشرك المواطن المغربي كشريك في البناء لا مجرد مُتلقٍّ.
حين يتوقف الهدر المالي وتُكرس موارد الدولة لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطن، وحين تُحترم كرامة الشباب ويُتاح لهم الأمل في فرص عادلة، سيتحول المغرب من بلد الفقر إلى بلد يُصنع فيه المستقبل.
فهل تُصلح الحكومات القادمة ما أفسدته السياسات السابقة؟