المساواة بين الذكر والأنثى: هل حان وقت التغيير الجذري في أحكام الإرث؟
الطيب الجامعي
توقفني فقرة متقدمة من خطاب العرش، حيث يقول: “واليوم وقد وصل مسارنا التنموي إلى درجة من التقدم والنضج، فإننا في حاجة إلى هذه الجدية للارتقاء به إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى التي يستحقها المغاربة.”
إن مفهوم “الجدية” دفعني لاختيار موضوع “المنفعة العامة”. ومن حسن حظي أنني عثرت على بحث مقدم للمؤتمر العلمي الدولي الرابع بكلية الشريعة والقانون بطنطا، بعنوان “حماية المصلحة العامة في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي” من إعداد الدكتور عطا الله السيد عطا الله محمد، مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بطنطا، جامعة الأزهر.
بينت الدراسة معنى الفتوى، والمصلحة العامة، وذكرت الأدلة على مراعاة المصلحة العامة في الشريعة الإسلامية. كما أوضحت أن المصلحة العامة تعد سببًا لتغير الفتوى، وأن الشريعة الإسلامية بكل جوانبها بنيت على أساس مصالح العباد في الدنيا والآخرة، مع رفع الحرج والمشقة عنهم، وتيسير الأحكام ضمن ضوابط أساسية لا تتعدى النص الشرعي.
إن الحكم على الأعمال يتبع المصالح، لأن المصالح هي الغاية من تشريع الأحكام. فالأحكام التي تُشرع تبعًا للمصلحة تكون دائمًا تابعة لهذه المصلحة؛ فإذا بقيت المصلحة، بقي الحكم، وإذا تغيرت، اقتضى هذا التغير حكمًا جديدًا مناسبًا للمصلحة الجديدة.
من هنا، كان لتغير الأحكام قيمة عظيمة تتمثل في القضاء على جمود الدين، حيث يقف البعض عند دلالة النصوص دون النظر إلى مقاصدها وأغراضها، ولا يراعون ظروفها وأحوالها. ومن المعلوم أن العديد من الأحكام معللة بمقاصد الشريعة، التي تهدف إلى جلب المصلحة للناس ودرء المفسدة عنهم. لذلك، فإن مراعاة المصلحة تعتبر من روح التشريع الإسلامي، واعتبار تحقيقها عند النظر هو من مقصود الشارع.
تكتسب المنفعة العامة أهمية كبيرة في اهتمامات الشريعة الإسلامية، حيث تفتح أبواب الملكية للسلطة التي تسعى إلى إصلاحات عميقة في المجتمع، وكسب رهان تطابق الشريعة الإسلامية مع تقدم أمة الإسلام في جميع الميادين في عصرنا هذا.
قال تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”، وأيضًا: “ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون”.
وبالتالي، لا ينقصنا سلاح شرعي للإصلاحات ولتنزيل المصلحة العامة في قوانين المجتمع الإسلامي. لذا، ينبغي أن نبدأ بأوراش ملحة بالتعاون مع جمعيات الدفاع عن الحقوق الاجتماعية، بما يتناسب مع روح العصر. ومن أبرز هذه الأوراش هي أحكام الإرث بين الرجل والمرأة، وواقع التعصيب ومشاكله.
ألم نقم بما يكفي لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع مجالات الحياة، حتى ندرك أنه حان الوقت لإنصاف المرأة في حصة الإرث؟ ألم نستوعب ما يكفي من ظلم ومشاكل التعصيب وحرمان الفتاة من إرث ذويها؟ ويظل إنجاب بنت داخل العائلة لا يرتقي لسعادة إنجاب ولد، مما يترتب عليه مشاكل وأزمات عائلية لا تُحصى مدى الحياة.
إن فرض المنفعة والمصلحة العامة داخل المجتمع يساهم في تغيير العقليات والتصرفات على المدى القريب، مما يجعل من يبني مستشفى أو مدرسة يشعر بنفس السعادة والأجر كمن يبني مسجدًا.