الإصلاحات القانونية المتعلقة بالملكية العقارية وإدماج التوثيق الرقمي في المغرب
ذ/ يوسف عبد القاوي
عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء
يشكل النظام العقاري عنصراً حيوياً وأساسياً من البنية الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة، إذ لا تقتصر أهميته على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد لتشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة الأفراد والمجتمعات. تمثل ملكية العقارات واحدة من الركائز المهمة التي تساهم في تعزيز الاستقرار والازدهار، فهي تعكس الثروة والقدرة على الاستثمار، وتوفر الضمانات اللازمة لتأمين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للأفراد والعائلات. في المغرب، تولي الحكومة أهمية كبيرة لإصلاح وتحديث النظام العقاري، باعتباره عاملاً محورياً في تحقيق التنمية المستدامة. ومن بين الجهود المبذولة في هذا السياق، تأتي مبادرة إدماج التوثيق الرقمي في المعاملات العقارية، وهو تطور يهدف إلى تحسين كفاءة النظام وتعزيز الشفافية، فضلاً عن تسهيل عملية الوصول إلى المعلومات وتبسيط الإجراءات، مما يعزز الثقة بين المواطنين والمؤسسات ويؤسس لبيئة استثمارية أكثر جاذبية.
1. الإصلاحات القانونية المتعلقة بالملكية العقارية:
أ. إعادة هيكلة القوانين العقارية:
أحد أبرز الإصلاحات هو مراجعة وتحديث القوانين المتعلقة بالملكية العقارية. يشمل ذلك تحسين قوانين التسجيل والتوثيق، وتعزيز حقوق الملكية، وتبسيط الإجراءات القانونية المتعلقة بالشراء والبيع. الظهير الشريف رقم 1.11.178 الصادر في 22 نوفمبر 2011، بمثابة قانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، يُعد من القوانين الأساسية في هذا السياق، حيث يعزز حقوق الملكية وينظم كيفية توثيق ونقل الملكية. كما أن الظهير الشريف رقم 1.58.250 الصادر في 6 سبتمبر 1958، بمثابة قانون رقم 15.58 المتعلق بالتسجيل العقاري، تمت مراجعته لتحسين إجراءات التسجيل وتعزيز الشفافية.
ب. تطوير قانون التحفيظ العقاري:
يعمل المغرب على تحسين قانون التحفيظ العقاري (أو ما يُعرف بقانون التسجيل العقاري) لضمان تسجيل الملكيات بشكل دقيق وموثوق. الظهير الشريف رقم 1.12.51 الصادر في 18 يوليو 2012، المتعلق بقانون التحفيظ العقاري (القانون رقم 14.07)، يهدف إلى تحديث إجراءات التحفيظ وتسريعها، ويشمل إدخال التكنولوجيات الحديثة لتقليل النزاعات العقارية. كما توضح المادة 37 من هذا القانون إجراءات الإعلان والتحفيظ والتوثيق لتحسين دقة التسجيلات العقارية.
ج. تعزيز حماية حقوق الملكية:
تشمل الإصلاحات تعزيز آليات حماية حقوق الملاك، مثل تحسين سُبُل التعويض في حال نزاعات الملكية، وتقديم أدوات قانونية جديدة لفض النزاعات وحماية حقوق الملاك. في هذا السياق، يُبرز القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقارات في طور الإنجاز، الذي يهدف إلى حماية حقوق المشترين في العقارات غير المكتملة وضمان توثيق المعاملات بشكل صحيح. كما أن الظهير الشريف رقم 1.07.169 الصادر في 19 نوفمبر 2007، يُنشئ محاكم تجارية جديدة مختصة في النظر في النزاعات العقارية، مما يوفر إطاراً قانونياً لحماية حقوق الملكية.
2. إدماج التوثيق الرقمي:
أ. إنشاء نظام رقمي للتوثيق العقاري:
تعمل الحكومة المغربية على تطوير نظام رقمي متكامل يتيح تسجيل وتوثيق المعاملات العقارية عبر الإنترنت. يشمل هذا النظام تسجيل الملكيات، تسجيل التعديلات، وتوثيق المعاملات المختلفة بطريقة آمنة وسريعة. وقد أُصدر المرسوم رقم 2.18.181 الصادر في 14 يونيو 2018، لتحديد الإجراءات المتعلقة بإدماج التوثيق الرقمي في النظام العقاري.
ب. تحسين الوصول إلى المعلومات:
النظام الرقمي يوفر للمواطنين سهولة الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالعقارات، مثل حالة التسجيل، الملكية، والقيود المفروضة على الملكية. هذا يعزز الشفافية ويقلل من فرص التلاعب أو الاحتيال. وقد نُظم ذلك من خلال المرسوم رقم 2.18.785 الصادر في 5 فبراير 2019، الذي يحدد كيفية الوصول إلى المعلومات العقارية عبر الأنظمة الرقمية.
ج. تسهيل الإجراءات القانونية:
من خلال التوثيق الرقمي، يمكن للمواطنين تنفيذ المعاملات العقارية (مثل البيع والشراء، وإجراءات الإرث) دون الحاجة إلى التوجه إلى المكاتب الحكومية بشكل متكرر. هذا يسهم في تسريع الإجراءات وتقليل التكاليف والوقت اللازم لإتمام المعاملات. كما يدعم القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية هذا التحول الرقمي، مما يسهل المعاملات الإلكترونية بما في ذلك توثيق العقود العقارية إلكترونيًا.
3. مكافحة الفساد والاحتيال:
أ. الشفافية والأمان:
النظام الرقمي يساهم في تعزيز الشفافية من خلال تسجيل جميع المعاملات العقارية بشكل دقيق وسجل غير قابل للتلاعب. هذا يساعد في تقليل فرص الفساد والاحتيال. كما يعزز القانون رقم 31.13 المتعلق بحق الوصول إلى المعلومات الشفافية في التعامل مع المعلومات العقارية ويضمن توفير المعلومات اللازمة للمواطنين بشكل شفاف.
ب. تتبع المعاملات:
يمكن تتبع جميع المعاملات العقارية والتأكد من صحتها من خلال النظام الرقمي، مما يوفر حماية إضافية للمواطنين ويقلل من مخاطر النزاعات القانونية المتعلقة بالملكية. المرسوم رقم 2.17.738 الصادر في 7 مارس 2018، يحدد القواعد والإجراءات المتعلقة بتسجيل المعاملات العقارية وتوثيقها بشكل رقمي، مما يسهم في تعزيز الأمان وتقليل فرص التلاعب.
4. التحديات والآفاق المستقبلية:
أ. التحديات التقنية والإدارية:
على الرغم من هذه الأشواط الكبيرة، تواجه الإصلاحات بعض التحديات التقنية مثل تحديث البنية التحتية الرقمية، وتأهيل الموظفين على استخدام النظام الجديد. تتطلب هذه التحديات استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والتكوين. الظهير الشريف رقم 1.15.45 الصادر في 19 فبراير 2015، المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، يسعى إلى تحديث البنية التحتية الرقمية وتحسين الكفاءة الإدارية.
ب. تكوين الأطر البشرية:
نجاح الإصلاحات يعتمد أيضاً على التكوين المستمر للأطر البشرية، بما في ذلك القضاة والمحامين والمستشارين العقاريين، لضمان استخدام فعّال للنظام الرقمي وتعزيز الثقة في العملية القانونية. يُنظم هذا من خلال المرسوم رقم 2.17.659 الصادر في 15 سبتمبر 2017، الذي يحدد كيفية تكوين وتدريب الأطر البشرية العاملة في المجال العقاري والقانوني.
ج. توقعات المستقبل:
يتوقع أن تسهم الإصلاحات في تحسين بيئة الاستثمار العقاري في المغرب، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز النمو الاقتصادي. من المهم أن تستمر الحكومة في تقييم وتحديث النظام لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
نهاية:
تمثل إصلاحات الملكية العقارية وإدماج التوثيق الرقمي في المغرب خطوة هامة نحو تحسين النظام العقاري وتعزيز الشفافية والكفاءة. من خلال تبني هذه الإصلاحات، يسعى المغرب إلى توفير بيئة قانونية أكثر استقراراً وموثوقية، مما يساهم في تعزيز الثقة في السوق العقاري ويشجع على الاستثمار والنمو الاقتصادي.