فن وثقافة

فاطمة الزهراء لحلو: مسيرة فنية مبهرة تستلهم من التراث وتبني جسورًا مع الأجيال

دابا ماروك

فاطمة الزهراء لحلو، فنانة مغربية من الطراز الرفيع، تعد أيقونة من أيقونات الفن المغربي المعاصر. بدأت مسيرتها الفنية في عام 1985 عندما ولجت عالم الفن بصفة رسمية، إلا أن حبها للموسيقى والغناء كان قد رافقها منذ الطفولة. تربت على عشق الأنغام والألحان، لتصبح فيما بعد واحدة من أبرز الأصوات التي تتردد في إذاعات المغرب والعالم العربي.

البدايات: عشق الطفولة ونشأة الموهبة

موهبة فاطمة الزهراء الغنائية بدأت تظهر منذ نعومة أظافرها، إلا أن انطلاقتها الفعلية كانت مع أغنيتها الشهيرة “أحلى طريق” التي صدرت عام 1985. هذه الأغنية التي كتب كلماتها الشاعر المغربي عمر التلباني ولحنها ووزعها الموسيقار الكبير عبد الله عصامي، حققت نجاحًا هائلًا ورواجًا واسعًا. ما ميز الأغنية هو انتشارها في العديد من الإذاعات المغربية والعربية، منها إذاعة “صوت العرب” في القاهرة و”بي بي سي” في لندن. كانت هذه بداية مشوار فني طويل، زينته أعمال فنية متنوعة.

التنوع في الأداء والتألق على الساحة العربية

بعد النجاح الكبير الذي حققته أغنية “أحلى طريق”، توالت الأعمال الفنية المميزة لفاطمة الزهراء. سجلت أغنية “كلنا عشاق” من ألحان الفنان محمد كامني، وأغنية وطنية بعنوان “ذكرى المسيرة” من ألحان الموسيقار الراحل أحمد البيضاوي وكلمات الشاعر الحبيب الإمام، والتي تعد واحدة من أروع ما قدمته من أعمال. لم تتوقف عند هذا الحد، بل خاضت تجربة جديدة بتقديم خمس قطع غنائية أخرى من تلحين وتوزيع عبد الله عصامي، استلهمت فيها الأشعار من التراث الأندلسي وأضفت عليها لمسة عصرية حديثة.

مرحلة التأمل والعودة القوية

عقب فترة من التأمل والبحث عن الجديد، عادت فاطمة الزهراء إلى الساحة الفنية بأوبريت “العهد”، الذي تم عرضه بدار الأوبرا في القاهرة ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي المغربي المصري. هذه الأوبريت، التي ألحانها عبد الرفيق الشنقيطي، جمعت نخبة من المطربين والممثلين والموسيقيين المغاربة، وحظيت بتغطية واسعة في الصحافة المصرية، مما زاد من إشعاعها الفني في الوطن العربي.

من بين الذكريات التي لا تنسى لفاطمة الزهراء، تلك التي جمعتها مع عمالقة الموسيقى المصرية، مثل كمال الطويل ومحمد الموجي، حيث عبرا عن رغبتهما في إهدائها ألحانًا خاصة بها. إلا أن القدر لم يحقق هذا التعاون الفني، لكن اللقاءات والمحادثات التي دارت بينهما تركت بصمة عميقة في مسيرتها.

الحضور الدولي والتكريمات

لم يقتصر تألق فاطمة الزهراء على الساحة المغربية فقط، بل امتد إلى محافل دولية. كانت أول فنانة مغربية تشارك في مهرجان أريحا الدولي الأول، حيث استقبلتها شخصيات فلسطينية بارزة، مثل الدكتور صائب عريقات والرئيس الراحل ياسر عرفات. أغنيتها الشهيرة “نشتاق السلام” حققت نجاحًا باهرًا وحصلت على الجائزة الأولى من منظمة اليونسكو، كما تم تكريمها بوسام الاستحقاق الثقافي في تونس عام 1993.

الذكريات مع الموسيقار أحمد البيضاوي

لا تزال فاطمة الزهراء تحتفظ بذكريات عزيزة جمعتها مع الموسيقار الكبير أحمد البيضاوي، الذي كان آخر عمل وطني له قبل وفاته هو أغنية وطنية غنتها بالرغم من مرضه الشديد. شارك البيضاوي في تسجيل البروفات والتسجيل بنفسه، وكان مصممًا على الحضور رغم مرضه، مما ترك أثراً عميقاً في ذاكرتها.

إرث موسيقي راسخ وأفق مستقبلي

من خلال هذه الرحلة الفنية الطويلة، استطاعت فاطمة الزهراء لحلو أن تترك بصمة واضحة في عالم الفن، مقدمة أعمالاً تغنى بها الجمهور المغربي والعربي. جمعت بين الأصالة والمعاصرة، واستلهمت من التراث الأندلسي لتقدمه بأسلوب جديد ومبتكر. تجربتها الغنية والمتنوعة جعلتها فنانة قادرة على أداء مختلف الأنماط الغنائية، من الموسيقى الأندلسية إلى الأغاني الوطنية والأوبريتات.

فاطمة الزهراء لحلو ليست مجرد مطربة بل هي رمز للمرأة الفنانة التي تجمع بين الحس الوطني والبعد الإنساني، قادرة على تأليف فن يجمع بين التراث والأصالة، وبين المعاصرة والتجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى