الرأي

تنمية التفكير النقدي وفهم تأثير الجلطة الدماغية على المسؤولية القانونية

من إعداد وإسهام: الأستاذ عبد العالي المصباحي/ المحامي العام بمحكمة النقض ورئيس رابطة قضاة المغرب

يشارك معنا اليوم الأستاذ عبد العالي المصباحي، المحامي العام بمحكمة النقض ورئيس رابطة قضاة المغرب، في مقال استثنائي يتناول موضوع “الجلطة الدماغية: الأبعاد القانونية والأثر على المسؤولية”. في مقاله المتعمق، يقدم الأستاذ المصباحي تحليلاً دقيقاً لآثار الجلطة الدماغية من الناحية القانونية، سواء على مستوى المسؤولية الجنائية أو المدنية. يتناول المقال الفروقات بين العقل والدماغ والمخ، ويستعرض الأثر القانوني للجلطة الدماغية على الأهلية القانونية للأفراد ومدى تأثيرها على قدرتهم على تحمل المسؤولية. كما يناقش الأستاذ المصباحي أهمية التحديثات القانونية والضوابط الضرورية لضمان حماية حقوق الأفراد المتضررين من هذه الحالة الصحية. نتطلع لقراءتكم واستفادتكم من هذا المقال المميز الذي يسلط الضوء على جوانب قانونية هامة ومؤثرة.

إن ما يُميز الإنسان عن باقي المخلوقات الحية هو العقل، الذي يُعتبر تجسيداً للقدرات الإدراكية والتمييزية والفهمية. وعلى الرغم من أن العقل ليس عضواً مادياً، بل هو مصطلح مجازي يُستخدم لوصف الوظائف العليا للدماغ، إلا أن تأثيره كبير وعميق على حياتنا اليومية. يتميز العقل بالقدرة على التفكير، الجدل، التذكر، الذكاء، والانفعال العاطفي، وهو ما يعكس قدرتنا على فهم العالم من حولنا واتخاذ قرارات واعية. وفي القرآن الكريم، يرد ذكر الألباب كرمز للعقل والفهم، كما في قوله تعالى: «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب» (سورة البقرة).

لكن كيف يمكننا التفريق بين العقل، الدماغ، والمخ؟ وما هي الأبعاد القانونية والصحية المتعلقة بهذه المفاهيم؟

العقل هو مفهوم مجازي يشير إلى الأنشطة والوظائف العليا للدماغ مثل التفكير، الشخصية، الجدل، الانفعال العاطفي والذاكرة. هو المسؤول عن قدرتنا على اتخاذ القرارات والتفكير النقدي.

الدماغ هو العضو الفعلي الموجود داخل الجمجمة، ويُعتبر جزءاً أساسياً من الجهاز العصبي المركزي. إذ يتألف من عدة أجزاء تشمل المخ، المخيخ، والبصلة السيسائية، وكل منها يلعب دوراً محدداً في معالجة المعلومات والتحكم في الأنشطة الجسدية والعقلية.

المخ، كأحد أجزاء الدماغ، يهتم بشكل رئيسي بالوظائف الإدراكية والحسية والعقلية، بما في ذلك معالجة اللغة والذاكرة.

 

الفرق بين العقل والدماغ والمخ

  • العقل: ليس جزءاً في الدماغ بل هو عملية وصف للأنشطة والوظائف العليا في الدماغ مثل الشخصية والتفكير والجدل والذاكرة والذكاء والانفعال العاطفي.
  • الدماغ: هو الجزء الكامل الموجود في الجمجمة والذي يُعتبر أهم أجزاء الجهاز العصبي في جسم الإنسان.
  • المخ: هو أحد أجزاء الدماغ، ويتألف الدماغ من عدة أقسام: المخ، المخيخ، والبصلة السيسائية. يهتم المخ بشكل عام بالوظائف الإدراكية والحسية والعقلية ووظائف اللغة.

ما هي السكتة أو الجلطة الدماغية؟

السكتة الدماغية هي خلل مفاجئ في تدفق الدم إلى جزء من الدماغ، مما يتسبب في عدم وصول الأوكسجين

والغذاء اللازمين لأنسجة المخ، مما يؤدي إلى موت خلايا المخ خلال عدة دقائق. لذلك، يحتاج المصاب إلى إسعاف سريع لتفادي الموت أو الأضرار الجسيمة.

الآثار الشائعة للجلطة الدماغية تشمل:

  • فقدان الوعي (تام أو جزئي أو وعي مشوش).
  • فقدان القدرة على الكلام أو صعوبة في وضوح الكلام.
  • شلل طرف واحد أو أكثر (شلل نصفي أو رباعي).
  • فقدان البصر في إحدى العينين أو كلتا العينين.
  • فقدان حاسة الشم أو التذوق.
  • صعوبة في البلع.
  • تأثر العصب الوجهي مع انحراف عضلات الوجه.
  • فقدان السيطرة على الإخراج والتبول.

الآثار القانونية للجلطة الدماغية

عند إصابة شخص بجلطة دماغية، يثار التساؤل حول قدرته على التعامل مع المجتمع ومسؤوليته من عدمها، سواء على المستوى الجنائي أو المدني.

على المستوى الجنائي:

ينص الفصل 132 من القانون الجنائي على أن: «كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا عن الجرائم التي يرتكبها». أما الفصل 134 فينص على: «لا يكون مسؤولا، ويجب الحكم بإعفائه، من كان وقت ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه، في حالة يستحيل عليه معها الإدراك أو الإرادة نتيجة لخلل في قواه العقلية». ويشير الفصل 135 إلى: «تكون مسؤولية الشخص ناقصة إذا كان وقت ارتكابه الجريمة مصابا بضعف في قواه العقلية من شأنه أن ينقص إدراكه أو إرادته ويؤدي إلى تنقيص مسؤوليته جزئيا».

بناءً على ما سبق، لا يمكن اعتبار المصاب بجلطة دماغية ضمن الحالات التي تُعفى أو تُنقص المسؤولية، لأن المشرع يتحدث عن سلامة العقل والقدرة على التمييز للمسؤولية، وعن انعدام الإدراك والإرادة بالنسبة لانعدام

المسؤولية. وتعتبر حالات الخلل العقلي مثل هذه، التي يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر بإيداع المتهم في مؤسسة علاجية إذا ظهرت لديه علامات واضحة للخلل العقلي، كما ورد في الفصل 136.

إذا كانت الجلطة الدماغية قد تتسبب في فقدان الوعي التام أو الجزئي، فإن الفصل 137 ينص على أن: «السكر وحالات الانفعال أو الاندفاع العاطفي أو الناشئ عن تعاطي المواد المخدرة عمداً لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعدم المسؤولية أو ينقصها». وبالتالي، لا تؤثر الجلطة الدماغية في هذه الأحاسيس للقول بأن الفاعل كان فاقداً أو ناقصاً للإدراك.

على المستوى المدني:

فيما يخص المعاملات المدنية، ينص الفصل 49 من القانون الجنائي على أن العقوبات تُنفذ كاملة إلا إذا طرأ سبب من أسباب الانقضاء أو الإعفاء أو الإيقاف. ومن أسباب الإعفاء التي ينص عليها الفصل 49 هي: موت المحكوم عليه، العفو الشامل، إلغاء القانون الجنائي، العفو، التقادم، إيقاف تنفيذ العقوبة، الإفراج الشرطي، والصلح إذا أجازه القانون بنص صريح.

وفي حماية ضحايا الإجرام، يراعي المشرع المغربي في الفصل 459 وما بعده من القانون الجنائي، أن: «من عرض شخصاً عاجزاً لا يستطيع حماية نفسه بسبب حالته الجسمية أو العقلية، يعاقب بالحبس». ومع ذلك، لم يعتبر المشرع حالات الاختطاف والاحتجاز، سواء في الفصل 436 أو 471 و475 الخاصة بالقاصرين، كظروف مشددة في جرائم انتهاك الآداب إذا كان الضحية عاجزاً أو معاقاً.

تقدم الطب والتشريع:

تطور الطب أثر في التشريع، كما يظهر في قوانين مختلفة مثل:

  • قانون المحاكم المالية لعام 2002، الذي يعتبر شلل الأطراف الأربعة من الأمراض التي تستدعي رخصة طويلة الأمد.
  • قانون التوثيق لعام 2011، الذي يتطلب شهادة طبية تثبت قدرة المرشح على ممارسة المهنة حتى بعد بلوغه سن السبعين.

ويجب على المشرع المغربي العمل على توحيد القوانين والمعايير المتعلقة بالأهلية البدنية لتصبح مرجعية للأطباء والخبراء في تحديد العجز ومدى تأثيره على الوظائف العضوية.

اقتراحات:

  • تعريف قانوني للخلل العقلي والفرق بين العصبي والنفسي.
  • تعريف قانوني للقدرة الجسمانية أو البدنية.
  • تعريف قانوني للموت السريري.
  • تصنيف موت الرحمة والمساعدة عليها في القانون الجنائي.
  • اعتماد الشهادات الطبية الصادرة عن اللجان المتخصصة.
  • إحداث لجنة شراكة بين المحاكم وهيئة الأطباء.
  • إنشاء بطاقات بيومترية للمصابين كملف طبي مرجعي.
  • جعل الخبرة في هذه الحالات من النظام العام.
  • تعميم الحماية القانونية لضحايا الإجرام المصابين والعاجزين وذوي الاحتياجات الخاصة.
  • منح الجمعيات ذات الاهتمام الحق في المرافقة والتتبع والتنصيب كمطالبة مدنية.
  • إقرار إطار قانوني لمعاملات الطبيب مع المصابين.
  • تعريف بعض الحالات المرضية مثل الموت السريري وموت الرحمة.
  • الخاتمة

في ختام هذا العرض حول أثر الجلطة الدماغية على المسؤولية القانونية والقدرة على التعاقد، يتضح أن التعامل مع هذه الحالة يتطلب مراعاة خاصة من الناحيتين القانونية والطبية. فالجلطة الدماغية، كونها اضطراباً مفاجئاً يؤثر على وظائف الدماغ، لها تداعيات قد تكون عميقة على الشخص المصاب من حيث القدرة على الإدراك واتخاذ القرارات. ومع ذلك، فإن النظام القانوني الحالي يواجه تحديات في تصنيف هذه الحالة ومعالجة آثارها بشكل دقيق وعادل.

إن المشرع، في سعيه لضمان تحقيق العدالة، يحتاج إلى تحديث القوانين لتشمل التعريفات والتصنيفات الطبية والنفسية الجديدة، مما سيسهم في تحسين طريقة تعامل النظام القانوني مع حالات الجلطة الدماغية. كما أن تطوير إطار قانوني واضح يحدد مفاهيم مثل الأهلية والقدرة البدنية، وتوحيد معايير الخبرة الطبية، سيعزز من حماية حقوق الأفراد المصابين ويضمن تحقيق العدالة.

إن إحداث توازن بين حماية الأفراد المصابين وتحديد مسؤوليتهم القانونية يتطلب أيضاً زيادة الوعي والتعاون بين الجهات القضائية والطبية. وهذا يمكن أن يتحقق من خلال إنشاء آليات جديدة للمراجعة الطبية القانونية، وتوسيع نطاق الحماية القانونية لضحايا الإجرام ذوي الاحتياجات الخاصة.

في النهاية، إن تحديث التشريعات لتواكب التطورات الطبية، وتحديد آليات واضحة للتعامل مع حالات الجلطة الدماغية، سيساهمان في تحقيق العدالة والمساواة في مواجهة التحديات التي تفرضها هذه الحالات الصحية. وبهذا، نكون قد عززنا من فعالية النظام القانوني في حماية الحقوق وضمان تحقيق العدالة للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى