مجتمع

عندما يتحول النجاح إلى عبء: بين دعم العائلة وتضخم التوقعات

دابا ماروك

عندما يحقق فرد من العائلة نجاحًا كبيرًا، سواء في مجاله المهني أو المالي، يتحول هذا النجاح إلى مصدر سعادة وفخر للعائلة بأكملها. ومع ذلك، قد يكون لهذا النجاح جانب آخر غير مرئي، حيث يصبح الفرد الناجح مُحاطًا بسيل من الطلبات والاحتياجات من قِبل أفراد العائلة. يُنظر إليه على أنه الركيزة الأساسية أو “المنقذ” الذي يستطيع معالجة مشاكلهم المادية والمعنوية.

في مجتمعنا، يعتبر دعم العائلة جزءًا من الثقافة الراسخة، إذ يُنظر إلى النجاح الفردي على أنه انتصار جماعي. لكن مع هذه النظرة، قد تأتي توقعات مبالغ فيها، حيث يُطلب من الفرد الناجح المساهمة في كل جوانب حياة أفراد العائلة، وكأنه مسؤول رسمي عن رفاهيتهم.

ورغم أن الرغبة في مساعدة العائلة طبيعية ومفهومة، إلا أن هذا النوع من المسؤوليات قد يُثقل كاهل الفرد الناجح ويؤدي إلى توتر في العلاقات العائلية، وتحول النجاح الشخصي إلى عبء جماعي، مما يفرض عليه تحديات جديدة على المستوى النفسي والمادي.

عندما يحقق أحد أفراد العائلة نجاحًا ملحوظًا في حياته المهنية أو المالية، غالبًا ما تتحول هذه النجاحات إلى مصدر جذب للطلبات والمسؤوليات غير المعلنة من باقي أفراد العائلة. هذا الأمر لا ينبع فقط من طبيعة العلاقات الاجتماعية والأسرية، بل هو نتيجة لتوقعات مبنية على الحب والتقاليد والأدوار المجتمعية.

في كثير من الأحيان، يُنظر إلى الفرد الناجح وكأنه “سند العائلة” الذي يتعين عليه مساعدة الجميع سواء ماليًا أو معنويًا. قد يبدأ الأمر بطلبات صغيرة من الأقارب، مثل المساعدة في مصاريف التعليم أو الحصول على وظيفة لأحد أفراد الأسرة أو التدخل لحل المشاكل المستعصية، لكنه قد يتصاعد ليصبح عبئًا نفسيًا وماليًا على الفرد الناجح، حيث يشعر وكأنه مسؤول عن تلبية احتياجات جميع أفراد العائلة.

أسباب هذا السلوك يمكن أن تكون ثقافية بامتياز، حيث تُعتبر الأسرة في مجتمعات كثيرة، وخاصة في المجتمعات العربية، الوحدة الأساسية التي يجب أن يتشارك أفرادها في الدعم المتبادل. فالفرد الناجح يُنتظر منه “رد الجميل” لعائلته، وهو منظور قد يراه البعض تضامنًا بينما قد يراه الآخرون استغلالًا غير عادل.

تبعات هذا الوضع:

  1. الضغط النفسي: الفرد الناجح قد يشعر بالضغط النفسي نتيجة لتحمله مسؤوليات أكبر من قدرته، مما يؤثر على صحته النفسية.
  2. تزايد الأعباء المالية: مع مرور الوقت، قد يجد نفسه محاصرًا بين متطلبات الحياة الشخصية وطلبات العائلة، مما يسبب ضغوطًا مالية.
  3. توتر العلاقات الأسرية: قد يؤدي رفض الاستجابة لبعض الطلبات إلى توتر في العلاقات الأسرية، حيث يُتهم الفرد بالأنانية أو الجحود.
  4. فقدان الهوية الذاتية: الفرد الناجح قد يشعر بأنه فقد حريته في اتخاذ قرارات تتعلق بحياته الشخصية، وأن نجاحه لم يعد ملكًا له بل للعائلة بأكملها.

بينما قد يكون التضامن العائلي أمرًا إيجابيًا، إلا أن وضع الحدود الواضحة حول المسؤوليات الشخصية والعائلية يعتبر ضروريًا للحفاظ على توازن العلاقات. في النهاية، نجاح الفرد هو جزء من نجاح العائلة، لكن يجب أن يكون هناك تقدير للجهود الفردية واحترام لرغباته وقدراته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى