الرأي

التشريع المغربي وتجريم الجرائم الإلكترونية: إطار قانوني لحماية الخصوصية والأمن الشخصي

من إعداد وإسهام: الأستاذ عبد العالي المصباحي/ المحامي العام بمحكمة النقض ورئيس رابطة قضاة المغرب

يواصل معنا الأستاذ عبد العالي المصباحي، المحامي العام بمحكمة النقض ورئيس رابطة قضاة المغرب، في مقال اليوم، موضوع “الجريمة الإلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي”. في هذا المقال، يعرض الأستاذ المصباحي رؤية شاملة حول هذه الظاهرة المتنامية، مستعرضًا جوانبها القانونية وآثارها المجتمعية. كما يقدم تحليلًا دقيقًا للتحديات التي تواجه التشريعات الوطنية والدولية في مكافحة هذا النوع من الجرائم، بالإضافة إلى طرحه لحلول عملية وإجراءات وقائية لتعزيز الأمان الرقمي على هذه المنصات.

 الجريمة الإلكترونية: تعريف وتطور

 تُعتبر الجرائم الإلكترونية واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة في ظل التقدم التكنولوجي السريع. حيث تُعرف هذه الجرائم بأنها ممارسات عمدية تُرتكب في الفضاء الرقمي ضد أفراد أو مجموعات، تهدف إلى إلحاق ضرر مادي أو معنوي بالضحايا بشكل مباشر أو غير مباشر. تعكس هذه الظاهرة التحولات الكبيرة في كيفية تفاعل الأفراد والمؤسسات، مما يجعلها تتطلب آليات قانونية وتنظيمية جديدة لمواجهتها.

كما عرّف القاضي باركر الجريمة الإلكترونية بقوله: “هي كل فعل إجرامي متعمد إذا كانت صلته بالمعلوماتية تنشأ عن خسارة تلحق بالمجني عليه أو كسب يحققه الفاعل”. رغم عدم وجود تعريف محدد للجريمة الإلكترونية في التشريع المغربي، فقد أدمج المشرع هذه الجرائم ضمن إطار الفصل 111 من القانون الجنائي، الذي يُعتبر كل فعل مخالف للقانون معاقبًا عليه. وفي سياق تطور التشريعات، أشار ظهير 11 نوفمبر 2003 المتمم للقانون الجنائي إلى الجرائم المرتبطة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، وهو خيار موفق يتماشى مع الطبيعة الديناميكية لهذه الجرائم.

تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية بودابيست حول الجريمة المعلوماتية، التي عُقدت في 13 نوفمبر 2001، قد عرفت المجال الافتراضي بأنه مكان للجرائم النوعية، مما يزيد من تعقيد تحديد طبيعتها. فكلما زاد انخراط الأفراد في الفضاء الافتراضي، زادت احتمالية نقل الجريمة بمختلف أشكالها إلى هذا المجال الإلكتروني.

تُعرف الجرائم الإلكترونية بعدة مسميات، مثل:

  • الجرائم السايبيرية (Cyber Crime)
  • جرائم الحاسوب والإنترنت (Computer Crime)
  • جرائم أصحاب الياقات البيضاء (White Collar Crime)
  • الجرائم التقنية العالية (High Tech Crime)

وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يُعرف بوسائل الإعلام الاجتماعي، هي منصات إلكترونية افتراضية موجودة على شبكة الإنترنت، وقد أُنشئت لتتيح التواصل بين مجموعات من الأشخاص، سواء كانوا أعضاءً مشتركين فيها أو كانت مفتوحة لعامة المرتادين. ويمكن أن تكون هذه المواقع مهنية، ترفيهية، علمية، اجتماعية، أو حتى متخصصة أو موجهة لفئات محددة. تشمل هذه الوسائل مشاركة الفيديوهات، الصور، الأشرطة، التعليقات المختصرة، المحادثات، أو الترويج للسلع والخدمات. لا يمكن الوصول إلى هذه المواقع إلا باستخدام جهاز إلكتروني أو هاتف ذكي مع اتصال بالإنترنت، وبعضها يتطلب حق الولوج الخاص. حاليًا، يُقدر عدد هذه المواقع بنحو 700 موقع حول العالم.

من المهم الإشارة إلى أنه لا يمكن اعتبار الأفراد المشتركين في نفس الموقع الاجتماعي أصدقاء بالمعنى الواقعي والحقيقي. هذا يعني أنه لا يجوز تجاوز الحدود الأخلاقية أو الاجتماعية في التعامل مع خصوصيات الآخرين. وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية ذلك في قرارها رقم 16-12394 الصادر بتاريخ 5 يناير 2017.

أشهر هذه المواقع تشمل: فيسبوك (الذي يضم حوالي 850 مليون مشترك)، تويتر، فايبر، واتساب، إنستغرام، فليكر، تمبلر، بلارك، أوركوت، ماي سبيس، ميكسي، لينكدإن، يوتيوب، وبينتريست.

أنواع الجرائم الإلكترونية

تتعدد الجرائم الإلكترونية بتعدد أهدافها والجهات المستهدفة. فمنها ما يوجه ضد الأفراد، ومنها ما يستهدف الحكومات، الملكية الفكرية والأدبية، سرقة الأموال أو المعلومات، أو حتى تدمير النظم الإلكترونية. من بين هذه الجرائم: المطاردة الإلكترونية، التصيد (Phishing)، الإشهار الكاذب، أو الجرائم التي تمس بالجانب المعنوي للأشخاص مثل التشهير، القذف، التهديد، المس بالحياة الخاصة، انتحال الشخصية، الابتزاز، أو التحريض على أفعال غير قانونية.

الجريمة الإلكترونية في سياق مواقع التواصل الاجتماعي تتميز بأنها غالبًا ما تستهدف الأفراد مباشرةً عبر التعدي على خصوصياتهم أو التشهير بهم أو قذفهم، أو المساس بمكانتهم الاجتماعية. كما قد تتضمن نشر صور أو فيديوهات بدون إذن صاحبها أو نشر تصريحات مغلوطة أو مسيئة تضر بالشرف أو الكرامة.

على الرغم من أن الجرائم الإلكترونية التقليدية غالبًا ما تستهدف الحواسيب أو الأجهزة الذكية عبر سرقة معطياتها أو التلاعب بها، فإن الجرائم المرتكبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تستغل هذه الأجهزة كوسيلة لنشر الجريمة وإظهارها للعلن، حيث يكون الهدف الأساسي هو التشهير أو الإضرار بالشخص على مستوى معنوي أو اجتماعي.

ويمكن القول إن الجرائم الإلكترونية تعد نسخة مطوّرة عن الجرائم التقليدية، مع اختلاف في الأركان والخصائص وأساليب التنفيذ.

 مواقع التواصل الاجتماعي

مواقع التواصل الاجتماعي، والمعروفة أيضًا بوسائل الإعلام الاجتماعي، هي منصات إلكترونية على شبكة الإنترنت تم تصميمها لتسهيل التواصل بين الأفراد أو المجموعات. هذه المواقع يمكن أن تكون مفتوحة للجمهور أو خاصة بأعضاء مسجلين، وتختلف في طبيعتها فقد تكون مهنية، ترفيهية، علمية، اجتماعية، تخصصية أو موجهة لفئات معينة.

تشمل هذه المنصات مختلف الأنشطة مثل تبادل الفيديوهات، الصور، المقاطع الصوتية، نشر التعليقات المختصرة، المحادثات، أو حتى الترويج للسلع والخدمات. للولوج إلى هذه المواقع، يحتاج المستخدم إلى جهاز إلكتروني أو هاتف ذكي وشبكة إنترنت، وفي حالة المواقع الخاصة، يتطلب ذلك تصريح دخول. ويبلغ عدد هذه المنصات حاليًا حوالي 700 موقع عالمي.

جدير بالذكر أن العلاقات بين الأعضاء على هذه المواقع لا ترقى إلى مستوى الصداقات الحقيقية في الواقع، حيث أكدت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 5 يناير 2017 (عدد 16ـ12394) أن التواصل عبر هذه المنصات لا يعفي من احترام خصوصيات الآخرين أو استئذانهم في التصرف في معلوماتهم الشخصية.

ومن أبرز هذه المواقع نجد: فيسبوك الذي يضم نحو 850 مليون مستخدم، تويتر، فايبر، واتساب، إنستغرام، فليكر، تمبلر، بلاك، أوركوت، ماي سبيس، ميكسي، لينكدإن، يوتيوب، وبينتريست.

أنواع الجرائم الإلكترونية

الجرائم الإلكترونية تتنوع بتنوع أهدافها والجهات المستهدفة. يمكن أن تستهدف الأفراد، الحكومات، الملكية الفكرية، أو تُستخدم لسرقة الأموال والمعلومات، أو لتدمير النظم الإلكترونية واختراق المواقع. وتشمل أنواعًا أخرى من الجرائم مثل المطاردة الإلكترونية، التصيّد (Phishing)، الإشهار الكاذب، التشهير، القذف، التهديد، المس بالحياة الخاصة للأفراد، انتحال الشخصية، الابتزاز، والتحريض على ارتكاب أعمال غير مشروعة.

تتوزع الجرائم الإلكترونية بين تلك التي تستهدف المواقع الإلكترونية نفسها، وتلك التي تستهدف مستخدمي هذه المواقع. وتركز هذه المداخلة على الجرائم الإلكترونية المرتكبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تُستغل المحادثات والتعليقات للتدخل في خصوصيات الأفراد، التشهير بهم، أو المساس بسمعتهم ومكانتهم الاجتماعية.

إذا كانت الجرائم الإلكترونية التقليدية تستهدف الأجهزة الذكية والحواسيب بسرقة البيانات أو تعديلها أو الاطلاع على أسرارها، فإن الجرائم الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجعل هذه الأجهزة مجرد وسيلة لنقل الجريمة أو نشرها للعامة. من بين هذه الجرائم نشر صور أو فيديوهات دون إذن، أو نشر تصريحات مغلوطة، أو المساس بالشرف والكرامة.

في الواقع، يمكن اعتبار الجرائم الإلكترونية نسخة حديثة ومحسنة من الجرائم الواقعية، ولكنها تختلف في الأركان والخصائص وطرق التنفيذ.

أركان الجريمة الإلكترونية

  1. الركن المادي: يتمثل في الفعل الإيجابي المتمثل في الولوج إلى منظومة إلكترونية بطريقة غير مشروعة، سواء عن طريق اختراق النظام، سرقة كلمة سر، حذف أو تغيير معلومات، أو انتحال صفة مستخدم. لا يمكن تصور جريمة إلكترونية على شكل امتناع، كما هو الحال في جريمة الامتناع عن تقديم مساعدة لشخص في خطر، المنصوص عليها في المادة 431 من القانون الجنائي.
  2. الركن المعنوي: يتمثل في القصد الجنائي أو الحالة الذهنية المتعمدة للمستعمل أثناء ارتكاب الفعل أو بعده مباشرة، والتي تهدف إلى إلحاق الضرر بالغير أو تحقيق مكاسب غير مشروعة. في الجرائم الإلكترونية، لا يعتد بالقصد الجنائي بالشكل التقليدي، حيث يُعتبر المستخدم للموقع مسؤولًا عن كل التصرفات الصادرة عنه، حتى لو كان ذلك عن طريق الخطأ. فمجرد الدخول إلى المواقع بغير وجه حق يعتبر فعلًا مجرمًا، ولو كان عن طريق الخطأ، مما يجعل القصد الإجرامي حاضرًا بمجرد استمرار المستخدم في تفحص الموقع أو الحساب غير المشروع.
  3. ركن العلنية: في الجرائم التي تمس كرامة الأشخاص، مثل التشهير أو القذف، يتحقق الركن المادي بنشر التغريدة أو الصورة أو الرد الذي يحتوي على العبارات القدحية. وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن العلنية لا تتحقق داخل المجموعات الخاصة، لكن يبقى فعل القذف غير العلني قائمًا.
  4. الركن القانوني: يعتمد على النص القانوني المجرم للفعل، والذي عادة ما يكون في صورة نصوص عامة تجرم الأفعال دون التدقيق في تفاصيل كل فعل على حدة، وذلك لأن الجريمة الإلكترونية تعتبر من “جرائم النتيجة”. على سبيل المثال، لا يمكن اعتبار تقليد ورقة مالية داخل جهاز حاسوب جريمة إلا بعد خروجها إلى العالم الواقعي من خلال النسخ أو الطباعة، سواء كان ذلك عن عمد أو عن طريق الخطأ، وسواء نشرها المقلد أو شخص آخر.

خصائص الجريمة الإلكترونية

  • انعدام الحيز المكاني والزمني: الجرائم الإلكترونية تتميز بأنها تُرتكب في أي مكان وتُلحق أضرارًا في كل مكان. كما أنها قد تحدث في وقت معين، لكنها تستمر في الزمن مادامت قيد النشر والتداول. ولهذا السبب، ظهرت مطالبات بتطبيق مبدأ “الحق في النسيان”، والذي يسمح للشخص المعني بمطالبة مديري المواقع بحذف صوره أو فيديوهاته بعد فترة معينة من تداولها.
  • تنظيف المواقع والحواسيب: استحدثت وظيفة تُعنى بإزالة المواضيع أو المحتويات غير المرغوب فيها من المواقع الإلكترونية أو الحواسيب، ويشبه هذا الدور وظيفة تنظيف المدافئ، حيث يتخصص أفراد في تخليص الحسابات الإلكترونية من الأخبار أو المواضيع التي لم تعد ذات جدوى أو أهمية، وذلك لتحرير مساحة التخزين الإلكترونية.

تأثير الجرائم الإلكترونية على السيادة والإجراءات المسطرية

نظرًا لأن الجرائم الإلكترونية تتجاوز الحدود المكانية والزمنية، فإن هذا يطرح إشكالية الاختصاص المكاني والضابطة القضائية المختصة بالبحث والتحري. كما يثير مسائل تتعلق بسيادة الدول وإقليمية القوانين والإجراءات المسطرية التي قد يصعب تطبيقها على الجرائم الإلكترونية، نظرًا لطبيعتها العابرة للحدود.

المعايير الدولية لحماية الحياة الخاصة

حظي الحق في الحياة الخاصة بالحماية الدولية مثل باقي الحقوق الأساسية. وقد تم تكريسه في عدد من النصوص القانونية الدولية، وأهمها:

  • الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948:
    • المادة 12: “لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، أو شؤون أسرته، أو مسكنه، أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات”.
  • العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966:
    • المادة 17: “لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيئته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته. من حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس”.

هذه النصوص تجسد الحماية الدولية للحياة الخاصة، وتعزز حق الأفراد في الحفاظ على خصوصياتهم وحمايتهم من أي تدخل أو مساس غير قانوني بشرفهم أو سمعتهم.

الدستور كمصدر أسمى لحماية الأشخاص

يعد الدستور أسمى وثيقة قانونية في الدولة، ويهدف إلى حماية الأفراد وضمان حقوقهم الأساسية. وفي هذا السياق، تتضمن بعض الفصول الدستورية المهمة في هذا المجال ما يلي:

  • الفصل 22: “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية.”
  • الفصل 24: “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة. لا تنتهك حرمة المنزل. ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون. لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية.”
  • الفصل 27: “لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية … الحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات.”

توازن بين الحق في التعبير والحق في حماية الحياة الخاصة

يتضح من قراءة هذه الفصول الدستورية أن هناك توازنًا دقيقًا بين مجموعة من الحقوق الأساسية، مثل الحق في التعبير والحق في حماية الحياة الخاصة. فبينما يمتلك الأفراد الحق في نشر آرائهم ومعلوماتهم على مواقع التواصل الاجتماعي استنادًا إلى مبدأ الحق في التعبير، يمتلك المتلقي أو القارئ الحق في المعلومة. ومع ذلك، لا يُعتبر الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي بالضرورة مصدراً رسمياً للحق في المعلومة، مما يثير تساؤلات حول حدود هذه الحقوق.

على الرغم من أن الدستور يضمن الحماية للحياة الخاصة، فإنه لا ينص صراحة على حق الأفراد في الوصول إلى الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي كحق قانوني، مما يجعل التفريق بين هذه الحقوق أمرًا ضروريًا. أين تنتهي حرية التعبير؟ وأين تبدأ حماية الخصوصية؟ وكيف يمكن التوفيق بينهما؟

التشريعات والقوانين المتعلقة بحماية الحياة الخاصة

أخذت بعض الدول خطوات لحماية الحياة الخاصة من التجاوزات. فعلى سبيل المثال، أصدرت إنجلترا قانونًا يعاقب على اختلاس النظر والتنصت بموجب “قانون العدالة لسلامة الأفراد”. وفي الولايات المتحدة، اعتبرت المحكمة العليا أن الحساب الخاص بالرئيس ترامب على موقع Twitter مصدرًا للمعلومات العامة، وهو ما أثار جدلاً بعد حجب الرئيس لبعض المستخدمين بسبب آرائهم السياسية. وأدى هذا إلى تطبيق القاعدة العامة: “من اختار الشهرة، تحمل التشهير”، مما يجعل هذه الحالة جزءًا من النقاش حول مبدأ الحق في المعلومة.

حدود حرية التعبير في القانون المغربي

أما في المغرب، فقد تناولت محكمة النقض مسألة حدود حرية التعبير وضوابطها. ففي قرار عدد 1303 بتاريخ 31 ديسمبر 2014، قضت المحكمة بخصوص قضية نشر على فيسبوك قام به أحد أفراد الدرك الملكي دون الحصول على إذن خاص، واعتبرته مخالفة للأوامر العسكرية العامة، استنادًا إلى الفصلين 16 و27 من قانون الانضباط العام للقوات المسلحة الملكية. أكدت المحكمة أن نشر المعلومات أو الصور دون إذن خاص يُعتبر انتهاكًا للقوانين العسكرية، مما يجعل القضية متعلقة بحدود حرية التعبير داخل إطار المؤسسات العسكرية.

إذا كان الحق في التعبير هو حق مكتسب ومكفول دستورياً، فإن حماية الحياة الخاصة تأتي أيضاً في مقدمة الأولويات الدستورية. هذا يستدعي توازنًا مستمرًا بين هذين الحقين، مع الأخذ في الاعتبار أن القوانين والقضاء يراقبان عن كثب تلك الحدود والقيود لتحقيق الحماية المثلى للأفراد، سواء عبر الإنترنت أو في الحياة العامة.

التشريع المغربي وتجريم الظاهرة
أصدر المشرع المغربي عدة قوانين متعلقة بزجر الجرائم الإلكترونية، أهمها:

  • قانون 03-07 المتمم لمجموعة القانون الجنائي “الفصول من 607-3 إلى 607-11” الخاص بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، الصادر بتاريخ 11 نوفمبر 2003؛
  • قانون 03-03 المتعلق بالإرهاب، خصوصاً الفصل 281-1؛
  • قانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، خصوصاً المادة 1؛
  • قانون رقم 00-02 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ومنها الحماية الجنائية للمصنفات الرقمية، والقانون 05-34 المعدل له؛
  • قانون رقم 53-05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية؛
  • قانون مدونة الجمارك الصادر في 9/10/1977، وخصوصاً المادة 281 منه؛
  • قانون رقم 13-88 الخاص بالصحافة والنشر، خصوصاً المادة 36 وما بعدها؛
  • قانون 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء؛
  • القانون رقم 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية.

أهم النصوص القانونية الزاجرة لهذه الجرائم
ينص الفصل 1-447 من القانون الجنائي على ما يلي: “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم، كل من قام عمداً، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها.

يعاقب بنفس العقوبة، من قام عمداً وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته. {المعدل بمقتضى القانون 13. 103 الخاص بمحاربة العنف ضد النساء}.

وهنا تطرح مسألة خصوصية المعلومة وخصوصية المكان، فمتى نعتبر أن صورة شخص أُلتقطت في مكان خاص؟ وهل التقاط صورة لشخص في مكان عام تُعتبر مباحة وغير مُجرّمة مثلاً؟

وينص الفصل 1-1-503 من القانون الجنائي على أن مرتكب جريمة التحرش الجنسي يُعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أمعن في مضايقة الغير في الحالات التالية:

  • في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية؛
  • بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية.

تضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلاً في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها.

وينص الفصل 36 من قانون الصحافة والنشر على أن تعليقات زوار الصحيفة الإلكترونية والروابط تخضع لمبدأ الحرية، ويلتزم مدير النشر بعدم نشر أي محتوى يعد جريمة طبقا للقانون، مع سحب التعليق أو الرابط في حالة ثبوت الإساءة. ولهذا الغرض، يضع مدير النشر في الحيز المخصص للمساهمات الشخصية لمستعملي شبكة الأنترنيت وسائل ملائمة لمراقبة المضامين غير المشروعة، تسهل عليه حجبها وجعل الولوج إليها مستحيلاً. كما تسهل على كل شخص آخر التعرف على المضامين المذكورة والإخبار عنها.

وهكذا اعتبرت المادة 37 من قانون الصحافة والنشر أنه يمكن حجب المادة الصحفية من موقع الصحيفة الإلكترونية وتعطيل الولوج إليها، بأمر استعجالي طبقا لملتمس النيابة العامة، متى تعلق الأمر بالمواد 73-75-76-81 أو ب:

  • التحريض المباشر على ارتكاب الجرائم المتعلقة بالقتل أو الاعتداء على الحرمة الجسدية للإنسان أو الإرهاب أو السرقة أو التخريب؛
  • الإشادة بجرائم الحرب أو بالجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية؛
  • التحريض المباشر على الكراهية أو التمييز العنصري أو التحريض على الإضرار بالقاصرين.

وذهبت المادة 64 إلى أنه مع مراعاة حرية الإبداع، يمنع كل إشهار في الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية يتضمن:

  • تحريضا على الكراهية أو الإرهاب أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية أو التعذيب؛
  • إساءة وتحقيراً للأشخاص بسبب الدين أو الجنس أو اللون؛
  • إساءة وتحقيراً للمرأة أو ينطوي على رسالة من طبيعتها تكريس دونية المرأة أو يروج للتمييز بسبب جنسها؛ أو إساءة وتحقيراً للنشء أو لقاصر أو لشخص في وضعية إعاقة.

وتطرقت المواد 65-71-73-75-76-78-79-80-81-82-83-84-85-86-87-88-89 من نفس القانون لمختلف الجرائم التي يمكن أن ترتكب بواسطة المواقع الإلكترونية، سواء بواسطة صاحب الموقع أو الناشر أو الزائر صاحب التعليق. ومنها القذف والسب والتشهير واختراق الحياة الخاصة والمس بكرامة رؤساء الدول والدبلوماسيين والإشهار الكاذب وحرمة الأموات والجرائم ضد الأطفال وغيرها من الأفعال التي اعتبرت مجرمة بمقتضى هذا القانون. وإن كان هذا القانون قد جاء خصيصاً للصحافيين والناشرين، إلا أنه يطال كل من قام بأحد الأفعال المنصوص عليها في مواده.

وهكذا ذهبت محكمة النقض في قرارها عدد 1906 وتاريخ 19 دجنبر 2018 إلى ما يلي: جنحة القذف ـ اعتراف بنشر الفيديو بالموقع الإلكتروني ـ أثره. إن المحكمة لما أيدت الحكم الابتدائي القاضي بإدانة الطالب من أجل القذف، استندت إلى اعترافه أمام هيئة الحكم بأنه قام بنشر الفيديو موضوع الشكاية المباشرة، وبعد اطلاعها على وثائق الملف، وخاصة مقطع الفيديو المنشور بالموقع الإلكتروني الذي تمت معاينته من طرف المفوض القضائي، تبين لها في إطار سلطتها في تقدير الوقائع والأدلة المعروضة عليها، بأن العبارات المضمنة به تشكل اتهامات مشينة في حق المطلوب، وبالتالي تكون قد أبرزت بما فيه الكفاية وجه قناعتها بما قضت به، وعللت قرارها تعليلاً كافياً. رفض الطلب.

الحماية القانونية لنشر الصور الخاصة عبر المواقع

قد نتساءل عن سبب هذه الحماية التي كرسها المشرع في عدد من النصوص لحماية الصورة وحماية الحياة الخاصة للأشخاص، لما أصبحت تعرفه وسائل الاتصال الاجتماعية من تبادل للمعلومات والفيديوهات التي تتضمن خصوصيات الأشخاص وتنشر دقائق حياتهم الخاصة، دون علمهم أو موافقتهم. والأساس التشريعي لهذا التجريم يجد مرده في المبادئ العامة لحماية الصورة:

  • حماية الحياة الخاصة للأشخاص، والفصل 24 من الدستور؛
  • القرآن كمصدر للتشريع قال تعالى: «ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا»؛
  • مبدأ معصومية الجسد «الوجه جزء من الجسد»؛
  • إمكانية التلاعب بسوء نية بظروف التقاط الصورة أو بحقيقتها؛
  • الإثراء بدون سبب على حساب الغير «الاستخدام التجاري»؛
  • وجود تضارب حول مفهوم المكان العمومي؛
  • مفهوم الشخصية العامة «من اختار الشهرة تحمل التشهير»؛
  • وجود فرق بين انصهار الشخص في المنظر العام وبين أن تكون صورته كموضوع أساسي؛
  • التخوف من الوصم أي l’étiquetage.

ما هو التكييف القانوني لبعض الصور؟

إذا كان المشرع قد حدد الأفعال المجرمة بمقتضى النصوص المنظمة للجريمة الإلكترونية، فقد نجد عدداً من الحالات التي سكت عنها، فظلت تتأرجح بين التجريم والإباحة، ومنها مثلاً:

  • الصور الملتقطة أثناء إعادة تمثيل الجريمة، فهي تكسب شرعيتها من البحث القضائي، وتستمد تجريمها من المس بالخصوصية؛
  • صور متهم ملتقطة بموافقته ولكن أثناء سريان البحث التمهيدي؛
  • صور شهود ومبلغين يخضعون للحماية طبقا للقانون؛
  • صور منشورة بالدوائر في إطار البحث عن مجرم مفترض؛
  • صور الموتى والقتلى وضحايا الكوارث والجرائم؛
  • الصور المدلى بها لإثبات جرم أو ادعاء؛
  • تداول صور كانت في ملف كوسيلة إثبات؛
  • الصور الملتقطة بكاميرات المراقبة؛
  • نشر صورة الجاني المدان نهائياً، خصوصاً إذا تضمن الحكم عقوبة إضافية بنشره على نفقة المحكوم عليه؛
  • الصور الكاريكاتورية وتجسيد جلسات المحاكمات بالرسم؛
  • الصور القديمة ومبدأ الحق في النسيان le droit à l’oubli؛
  • هل الحق في رفع الدعاوى هو حصري على صاحب الصورة دون غيره؟ وهل للجمعيات ذات الاهتمام المعين حق التقاضي عوض صاحب الصورة ودون إذنه؟

التبليغ عن الجرائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي

أصبح رواد مواقع التواصل الاجتماعي اليوم ينصبون أنفسهم كدركيين لهذه المواقع، أو قضاة في مجالاتها، وذلك بالمطالبة بتجريم فعل معين وإيقاع العقوبة بصاحبه، عن طريق نشر مقطع فيديو يتضمن واقعة معينة، مطالبين من خلاله النشر على أكبر مستوى والتضامن مع الضحية. ولكن لا يمكن بحال اعتبار هذه المواقع كأرضية للتبليغ عن الجرائم، وذلك بتداول مقاطع فيديو مثلاً توثق لجرم معين وإرسالها لمجموعة من الأشخاص كطريقة للتبليغ أو لكشف الجاني.

فقد أوجبت المواد 42 و43 على كل سلطة أو موظف أو شاهد للجرم أن يخبروا وكيل الملك بذلك، والذي أعطاه المشرع وحده في المادة 40 الحق في تلقي المحاضر والشكايات والوشايات والتثبت منها. ولا مجال هنا للقول بالحق في المعلومة، لأن البحث عن الجرائم ومرتكبيها محاط بالسرية، لاقترانه بمبدأ قرينة البراءة، واحتكار الحق في تحريك الدعوى العمومية لبعض الأشخاص أو الجهات دون غيرها. كما أن هناك مسألة التقادم التي تسقط الحق في التبليغ بعد فترة معينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى