
الآباء المنسيون: معركة تربية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المغرب
دابا ماروك
جيش المعاناة الصامت: عندما يصبح الأبوة والأمومة معركة يومية
في المغرب، هناك جيش غير مرئي من الآباء الذين يخوضون معركة يومية مريرة، جيش من الأمهات والآباء الذين لم يختاروا هذه الحرب، لكنها فُرضت عليهم بقدرة القدر وإهمال المجتمع. هم آباء الأطفال ذوي التوحد، والإعاقات الذهنية والجسدية، أولئك الذين يواجهون النظام الصحي والتعليمي والاجتماعي كل يوم، وليس في جعبتهم سوى الصبر، وقليل من الحيلة، وكثير من الدموع.
عندما تكون الأبوة صليبا ثقيلا
أن تصبح أبا أو أما لطفل يعاني من التوحد أو إعاقة ذهنية أو جسدية في المغرب، يعني أن تتحول حياتك بالكامل إلى ماراثون لا نهاية له من المعاناة. يبدأ الأمر منذ اللحظة الأولى، عندما يلاحظ الوالدان أن طفلهما مختلف، يتأخر في الكلام، لا يتفاعل مثل أقرانه، أو يواجه صعوبات حركية. ثم تأتي الصدمة الكبرى: تشخيص الحالة، الذي غالبا ما يكون في سن متأخرة، بسبب ضعف الوعي وغياب الفحوصات المبكرة في المستشفيات العمومية.
وبعد التشخيص تبدأ الرحلة في متاهة لا تنتهي: طبيب الأعصاب، طبيب نفسي للأطفال، معالج النطق، معالج فيزيائي، اختصاصي نفسي حركي… كل هؤلاء يجب أن يكونوا ضمن “اللائحة الطبية” للطفل، لكن المشكلة أن العناوين قليلة، والمواعيد بعيدة، والتكاليف فلكية. في المغرب، أبسط جلسة علاج نطق تتراوح بين 150 و400 درهم، بينما جلسات العلاج الفيزيائي قد تصل إلى 500 درهم للجلسة الواحدة. وإذا كان الطفل يحتاج إلى عدة جلسات أسبوعيا، فإن الكارثة المالية تحل على العائلة، خصوصا عندما يكون الدخل متوسطا أو محدودا، وهو حال معظم المغاربة.
المدارس: الباب المغلق في وجه الأمل
إذا كان التعليم في المغرب مشكلة في حد ذاته، فهو يتحول إلى كابوس مطلق بالنسبة للأطفال ذوي التوحد والإعاقات الذهنية. المدارس العمومية ترفض استقبالهم بحجة عدم وجود الإمكانيات، والمدارس الخاصة لا تفتح أبوابها إلا بمقابل مالي مبالغ فيه، وحتى إن قبلت، فغالبا ما يكون ذلك مشروطا بانضباط الطفل وعدم “إزعاج” باقي التلاميذ، وكأن هذه الفئة من الأطفال عبء يجب التخلص منه.
أما الأقسام المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة في المؤسسات العمومية فهي أشبه بديكور فقط، عدد قليل جدا، موارد شحيحة، أساتذة غير مؤهلين، وغياب تام لأي استراتيجية دمج حقيقية. في النهاية، يجد الآباء أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: إما ترك أطفالهم دون تعليم، أو تحمل مصاريف خيالية في مدارس خاصة قد لا تقدم لهم حتى تعليما مناسبا.
الحياة الاجتماعية: عزلة وإقصاء
المجتمع المغربي، رغم ما يدعيه من تضامن وتعاطف، لا يزال ينظر إلى هؤلاء الأطفال بنظرة شفقة، أو أسوأ من ذلك، بنظرة ازدراء. بعض العائلات تخفي أبناءها المعاقين، خشية “العار”، فيما يواجه الآخرون نظرات الفضول المفرط في الشارع، وتعليقات جارحة عن “السبب الحقيقي” وراء مرض الطفل، التي تتراوح بين “عين حاسدة” و”مس من الجن”!
الآباء أيضا يعيشون عزلة قاسية، فالأصدقاء يختفون شيئا فشيئا، والزيارات تقل، وحتى أفراد العائلة يفضلون “عدم التورط” في هذا العبء. في النهاية، تجد الأسرة نفسها معزولة تماما، محاصرة بين متطلبات طفل يحتاج إلى رعاية 24/24، وبين مجتمع لا يفهم ولا يريد أن يفهم.
الدولة: الحاضر الغائب
الحكومة المغربية تتحدث كثيرا عن “الإدماج” و”حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة”، لكن الواقع على الأرض مختلف تماما. الدعم المالي المخصص لهذه الفئات هزيل، والمنح الرمزية التي تقدم لبعض العائلات لا تغطي حتى 10% من المصاريف الفعلية. المرافق الطبية المتخصصة نادرة جدا، والجمعيات رغم مجهوداتها تبقى عاجزة عن تغطية الاحتياجات الكبيرة.
أما التأمين الصحي، فهو أشبه بمزحة، إذ أن “راميد” غير صالح لتغطية العلاجات المتخصصة، والتأمينات الخاصة لا تشمل أغلب العلاجات التي يحتاجها الأطفال ذوو الإعاقات. النتيجة؟ آباء يبيعون ممتلكاتهم، يقترضون، يشتغلون بوظيفتين أو أكثر، فقط لكي يتمكنوا من تأمين الحد الأدنى من الرعاية لأطفالهم.
رسالة مفتوحة إلى الضمير المغربي
هذا الجيش الصامت من الآباء والأمهات لا يحتاج إلى شفقة، بل إلى سياسة حقيقية تضمن حقوق أطفالهم، إلى مستشفيات تستقبلهم دون بيروقراطية قاتلة، إلى مدارس تفتح أبوابها لهم دون تمييز، إلى مجتمع يتقبلهم بدل أن يهمشهم.
في النهاية، الطفل الذي يعاني من التوحد أو الإعاقة ليس عبئا، لكنه مسؤولية الجميع، والمغرب لن يكون بلدا متقدما ما دام لا يزال يترك هذه الفئة في الهامش، تصارع وحيدة في بحر الإهمال.