
النقابات المتحدة: غضب العمال ورفض محاولة العودة إلى العصور المظلمة
دابا ماروك
لقد تكاتفت النقابات في واحدة من أقوى التحركات العمالية في تاريخ المغرب المعاصر، وهي ليست مجرد خطوات عابرة أو تحركات موسمية، بل هي صرخة موحدة تنبثق من قلب الاحتجاجات المستمرة ضد سياسة الحكومة التي يبدو أنها مصممة على إفقار المواطن المغربي، وتركيعه. هذا التضامن النقابي ليس ناتجًا عن مراهقة سياسية أو لعبة في زمن الفراغ، بل هو ناتج عن سنوات من المعاناة اليومية لملايين الأسر المغربية التي تستنزفها السياسات المتعثرة.
في 5 فبراير 2025، تتوحد النقابات في مواجهة الحكومة التي تتغنى بإنجازات وهمية بينما يتراجع الواقع الاجتماعي بشكل كارثي. إن إعلان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن الإضراب العام لم يكن سوى أولى شرارات الاحتجاج، حيث لحق بها العديد من النقابات الأخرى التي سعت لتوحيد الصف العمالي في هذا اليوم التاريخي. كانت الرسالة واضحة، لا يمكن الاستمرار في سياسة “الانتظار والتمني” التي أرهقت الكادحين.
النقابات لم تتكلم عبثًا، بل كانت تحلل الأوضاع بشفافية وشجاعة. وقد أكدت مرارًا أن الحكومة قد اختارت مسار الإغراق بدل الإنقاذ، والمسار الجائر بدل الطريق العادل. حوافز مالية ووعود فارغة تتناثر، ولكن القدرة الشرائية تدهورت إلى حد بعيد، وها نحن اليوم نرى عواقب هذا التجاهل الصارخ. إن الطبقة العاملة المغربية لم تعد قادرة على تحمل المزيد من العذابات. رفع الأسعار، تقليص القدرة الشرائية، وفرض ضرائب لا تتناسب مع دخل المواطنين أصبح أمرًا غير قابل للتجاهل.
إذًا، أليس من حق العمال اليوم أن يقفوا بوجه هذا الإهمال؟ وأليس من واجب النقابات أن تُوحد جهودها دفاعًا عن حقوق الشغيلة؟ الإضراب الذي بدأ بإعلان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل لم يكن مجرد فورة غضب عابرة، بل هو تعبير عن مرحلة انتقل فيها المواطن المغربي من مرحلة الانتظار إلى مرحلة الرفض. وكان ذلك واضحًا عندما قررت النقابات الأخرى أن تنضم بكل قوتها لهذا الحراك، مؤكدة أن التضامن العمالي لا يأتي عبثًا.
إذا كانت النقابات اليوم قد أجرت تحليلًا دقيقًا للوضع الاجتماعي والمستوى المتدهور للقدرة الشرائية، فذلك ليس بسبب ثورة عاطفية أو لحظة تهور، بل بعد أن تم استنفاد جميع الحلول السلمية. لا أحد كان يريد الإضراب، ولكن عندما تصبح الحقوق مهددة، وعندما تصبح الضرائب جبايات تُثقل كاهل المواطن، وعندما تصبح الوعود الانتخابية لا قيمة لها سوى ذر الرماد في العيون، عندها يصبح الإضراب هو الخيار الوحيد المتبقي.
لقد تطرقت تقاريرنا في موقعنا مرارًا وتكرارًا إلى موضوع الحق في الإضراب المنصوص في دستور 2011، وأشرنا إلى أن الحكومة تحاول إرجاعنا إلى زمن “السخرة”، حيث تُختزل كرامة العامل المغربي في مجرد رقم على ورقة إحصائية. حيث يقرر اليوم العمال والنقابات اتخاذ خطوة نضالية قوية لإيقاف مسلسل الاستنزاف هذا.
القدرة الشرائية في غرفة الإنعاش؟ لا، هي لم تعد في الغرفة، بل تم إعلان وفاتها بشكل بطيء. الحكومة تروج لإصلاحات وهمية، بينما الواقع يفضح كل ما تنشره وتروّج له، وأصبح السؤال يطرح نفسه: هل ستظل الحكومة في عالمها الافتراضي أم ستستفيق على واقع الشعب الذي يعاني؟
وهكذا، جاء النداء الموحد من النقابات ليصرخ: “كفى!” فمستقبل العمال ليس مرهونًا بمزاج الحكومة، ولن تُسحق الكرامة العمالية باسم “السياسات” التي تضغط على الجيوب وتخنق الأمل. اليوم، نعي جيدًا أن هذه الخطوة ليست مجرد استراحة عمالية بل هي وقفة للكرامة، وهي بمثابة إعلان حرب على السياسات التي تُعادي الطبقة العاملة.
فالحكومة اليوم في ورطة، وإذا لم تستجب بشكل حقيقي لمطالب العمال، ستجد نفسها أمام موجة غضب لا يمكن السيطرة عليها. “رسالة 5 فبراير” هي لحظة فارقة، فإما أن تفتح الحكومة أبواب الحوار الجاد، أو أن تظل في “عالمها المثالي” بينما يواجه الشعب واقعًا مختلفًا تمامًا.