
دابا ماروك
تعرفون جيدًا أن هشام أيت منة بارع في التخطيط ورسم الاستراتيجيات. فحين عزم الوصول إلى رئاسة جماعة المحمدية وقبة البرلمان، قام بتصور طبقه من خلال رئاسة فريق شباب المحمدية، حيث شمر على سواعده مستعملًا كل الوسائل التي تؤدي إلى اجتياز قسم بقسم إلى أن وصل قسم المحترفين، حيث هو أيضًا محترف في سوق الأعمال. وصل الرجل وتغنى بفريق الشباب كما لم يتغنى به أحد من قبل، حيث تمكن من استقطاب قلوب جميع الشبابيين، حتى الذين لا يفهمون في كرة القدم تفاهم معهم بلغتهم… وبذلك، وصل إلى البرلمان وظفر برئاسة جماعة المحمدية، علماً أنه يرأس بعد ممات والده الجمعية الخيرية الإسلامية بالمحمدية التي تعد من أغنى الجمعيات الخيرية بالمغرب بالنظر إلى العقارات التي تسيل اللعاب. ولا شك أنكم تتبعتم كيف، بعد 1-2، أصبح رئيسًا للوداد البيضاوي. رئاسة لم تأت من فراغ، بل أتت من تخطيط مدروس.
اليوم، انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي هذه الصورة التي تجمع الرئيس الرجاوي هالا الذي غادر الفريق تحت ضغط الجمهور وأيت منة. قد تكون هذه الصورة عفوية وبريئة من كل الاحتمالات، أو كما حللها بعض الرجاويين، أنها تكشف عن مؤامرة بين الإثنين بهدف إقبار وتدني الفريق الأخضر، خاصة في ظل النتائج المخيبة التي حصدها الرجاء هذا الموسم، والتي أثارت خيبة أمل كبيرة بين أنصار الفريق. كل الاحتمالات واردة على ضوء هذا التحليل.
فيما يخص التخطيط الاستراتيجي لأيت منة، ليس هناك شك في أنه استخدم كل فرصة ليعزز من مكانته سواء في المجال الرياضي أو السياسي. أولاً، رئاسة شباب المحمدية كانت خطوة مدروسة بعناية ليرسخ لنفسه قاعدة شعبية قوية في المدينة. لم يكن مجرد رئيس لفريق رياضي، بل كان يعلم تمامًا أن هذا المنصب سيتيح له بناء شبكة علاقات سياسية، اجتماعية واقتصادية ستسهم في طموحاته المستقبلية. عندما وصل إلى رئاسة جماعة المحمدية، كانت هذه خطوة كبيرة نحو تحقيق أهدافه السياسية، حيث أصبح جزءًا من منظومة السلطة المحلية والوطنية.
ثم، استغل نجاحاته في المجال الرياضي ليصبح رئيسًا لنادي الوداد البيضاوي. هذه الرئاسة كانت نتاجًا لتخطيط طويل الأمد، حيث تمكن من الاستفادة من مكانته السياسية والاقتصادية لتعزيز موقعه في عالم الرياضة، وخصوصًا في أندية ذات ثقل جماهيري مثل الوداد. ولم يكن هذا المنصب مجرد إضافة إلى سيرته الذاتية، بل كان خطوة لتوطيد سلطته في الوسط الرياضي المغربي.
لكن كل هذه التحركات في مسيرته تشير إلى أن هشام أيت منة شخص لا يترك أي شيء للصدفة. هو قائد استراتيجي يعرف متى وأين يوجه جهوده ليحقق ما يصبو إليه. الصور والمشاهد التي يتم تداولها حوله، مثل تلك التي تظهره مع هالا، قد تحمل رسائل ضمنية تؤكد تحكمه في موازين القوى الرياضية. لا شك أن أيت منة يعرف كيف يراقب الأحداث، يحللها ثم يقرر متى وكيف يستثمرها لصالحه.
وفي ضوء كل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأبرز: هل فعلاً هناك مؤامرة وراء تدهور الرجاء في هذا الموسم، أم أن هشام أيت منة يتلاعب بالمشهد الرياضي في المغرب ببراعة تفوق التوقعات؟ في كل الأحوال، لا شك أن تحركاته المستقبلية ستظل محط أنظار المتابعين، سواء في الرياضة أو في السياسة، حيث يبقى شخصية تتقاطع فيها مصالح متعددة وتراكمات استراتيجية.
المحمدية: السلم الذي قاده إلى الرئاسة والبرلمان
سبق لهشام أيت منة أن صرح أنه لن يعود لخوض غمار السياسة بالمحمدية، لكن الأمور تتغير بسرعة في عالم السياسة، خاصة عندما تكون هناك مصالح استراتيجية كبيرة على المحك. فبعد أن استهل مسيرته السياسية في المدينة عبر رئاسة شباب المحمدية ومن ثم رئاسة جماعة المحمدية، يبدو أن أيت منة قد يغير رأيه في المستقبل القريب. وفقًا لبعض التكهنات، من المرجح أن يكون هو من سيحل محل سعيد النصيري في الدائرة الانتخابية التي كان يشغلها، بعد أن أصبح النصيري خلف القضبان في سجن عكاشة بجناح اصطلح على تسميته “الغرفة الثالثة”.
إذا تحقق هذا السيناريو، سيحقق أيت منة “خدمة كبيرة” لسعيد النصيري، حيث سيواصل أيت منة حمل راية السياسة في المنطقة عبر ترأسه نادي الوداد البيضاوي، الظفر برئاسة المقاطعة، وربما الانتقال إلى البرلمان. وهذه سلسلة من المكاسب التي ستضمن له مساحة أكبر في التأثير السياسي والاجتماعي على الساحة المحلية. لكن هذا الطريق ليس مفروشًا بالورود كما قد يعتقد، فالمسار الذي سلكه في الماضي لم يكن خاليًا من التحديات والخصوم، وهو يعرف تمامًا أن الأمور لن تمر بهذه السهولة.
وفيما يخص المحمدية، يعي هشام أيت منة أن سلوكه السابق، خاصة احتفاله بتسجيل أهداف فريقه الودادي في مرمى شباب المحمدية، قد يكون له تداعيات عميقة في العلاقة بينه وبين جماهير المدينة. هذه التصرفات قد تجعل من سابع المستحيلات تكرار تجربته السياسية في المدينة نفسها، خصوصًا في حال تمسكت الجماهير المحلية بذكريات هذه اللحظات. لذا، لن تكون الطريق معبدة له بالسهولة التي قد يتصورها البعض.
إذن، يتضح أن هشام أيت منة يعيش مرحلة دقيقة من مسيرته السياسية، وهو في صراع دائم مع التحديات التي تواجهه من داخل مدينة المحمدية، وبخاصة بين ولائه لفريقه الودادي ورغبته في تعزيز موقعه في السياسة المحلية. في النهاية، يبقى السؤال حول كيفية إدارة هذه التوازنات بين الرياضة والسياسة وما إذا كان أيت منة قادرًا على استثمار هذا التراكم لصالحه…