مجتمع

ورزازات وطاطا: حين تصبح الحياة معركة يومية ضد العزلة والتهميش

عبد الحي الصحراوي

في قلب الجغرافيا الوعرة، حيث تلتقي الجبال الشاهقة بسهول الصمت والنسيان، تعيش ساكنة جماعات وسلسات بإقليمي ورزازات وطاطا واقعًا مأساويًا يختزل معنى العزلة والتهميش. هنا، لا يتعلق الأمر بالرفاهية أو تحسين جودة الحياة، بل بالصراع من أجل البقاء في مواجهة الطبيعة القاسية وإهمال المسؤولين.

طريق الموت: بين الوعود الكاذبة والمعاناة المتجددة

منذ الفيضانات الأخيرة التي ضربت الجنوب الشرقي، ازداد الوضع سوءًا، حيث تحولت الطرق الوحيدة التي تربط هذه القرى بالمراكز الإدارية إلى فخ من الطين والوحل، مقطعة أوصالها بين السيول والتعرية. ومع كل زخّة مطر، يجد السكان أنفسهم محاصرين، عاجزين عن التنقل أو قضاء حاجياتهم الأساسية، في ظل غياب بنية تحتية تحترم الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.

المرضى وكبار السن يدفعون الثمن الأكبر؛ فالطريق المتآكلة تجعل وصول سيارة الإسعاف ضربًا من الخيال، مما يضطر الأهالي إلى نقل مرضاهم على الدواب أو حتى على الأكتاف، في مشهد يعود بنا إلى قرون مضت. أما التلاميذ، فقد تحولت رحلتهم اليومية نحو المدرسة إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر، وكأن حقهم في التعليم رهين بمزاج الطبيعة وتقلبات الطقس.

“نصلح بأيدينا ما أهملته الدولة”         

في ظل هذه الأوضاع، لم يجد سكان بعض الدواوير حلًا سوى الاعتماد على أنفسهم، فقاموا بمبادرة ذاتية لترميم الطريق بأدواتهم البدائية، في خطوة تعكس مدى يأسهم من وعود المسؤولين، الذين لا يظهرون إلا في المناسبات الانتخابية، محمّلين بوعود زائفة تتلاشى بمجرد انتهاء موسم الصناديق.

رسالة مفتوحة: “ارفعوا العزلة.. قبل أن ترفعوا الشعارات

إلى كل مسؤول يتجاهل هذه المعاناة، وإلى كل جهة تعتبر هذه المناطق مجرد أرقام في تقاريرها السنوية: متى ستتوقف سياسة الإقصاء الممنهج؟ متى ستتحول البرامج التنموية من شعارات جوفاء إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع؟

إن فك العزلة عن هذه القرى ومناطق أخرى لم يعد ترفًا، بل ضرورة إنسانية وأخلاقية. فإصلاح الطرق ليس منّة، بل حق مشروع لكل مواطن، وهو اختبار حقيقي لمدى التزام الدولة بشعارات التنمية والعدالة المجالية.

أمام هذه المعاناة، لم يعد مقبولًا أن تظل الجماعات والجهات الوصية تتفرج، وكأن هؤلاء السكان يعيشون على هامش الوطن. الكرة الآن في ملعب المسؤولين، وعليهم أن يدركوا أن صبر الساكنة ليس بلا حدود، وأن الحقوق المهملة اليوم، قد تتحول غدًا إلى أصوات تصرخ في وجه اللامبالاة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى