مجتمع

اللحم الفاسد.. حين يتحول المواطن إلى “زبون تجارب” بامتياز!

دابا ماروك

ها نحن من جديد أمام قصة أخرى من قصص الرعب الغذائي التي تجعل المواطن المغربي يتساءل بقلق: هل أكلت لحوماً فاسدة دون علمي؟ هل كانت وجبة “الطاجين” الأخيرة من بقايا بغل تقاعد عن الخدمة؟ هل الكفتة التي التهمتها بشراهة في المطعم كانت خليطاً مجهول الهوية بين لحم الحمير وقليل من التوابل المنسية؟

طنجة، عروس الشمال، تفاجئنا بخبر لم يعد غريباً علينا، ولكنه مع ذلك يظل صادماً: ذبيحة سرية، لحوم فاسدة، ونقل بطرق بدائية، في طريقها مباشرة إلى بطون المغاربة! نعم، في بلد حيث تتحول القوانين إلى مجرد شعارات براقة، يبدو أن “سلامة المستهلك” ليست سوى مصطلح نظري يُدرّس في الكليات، بينما في الواقع، فالمواطن مجرد كائن مستهدف بتجارب غذائية غير معروفة العواقب.

700 كيلوغرام من اللحم الفاسد…

تصوروا معنا الرقم: 700 كيلوغرام! هذه ليست مجرد قطع صغيرة مهملة في زاوية ما، بل هي كمية كافية لإطعام حي بأكمله، مع احتمال أن يتحول سكانه في اليوم التالي إلى زوار دائمين لقسم المستعجلات! السؤال الآن، كم من الكيلوغرامات الأخرى مرت دون أن يوقفها أحد؟ هل هذه أول دفعة؟ أم أن هذه التجارة تشتغل منذ سنوات دون أن يرفّ لأحد جفن؟

لحم فاخر بطعم التحدي!        

اللحوم الفاسدة، كما نعلم، ليست مجرد لحوم عادية تفتقد للطراوة، بل هي وجبة كاملة من البكتيريا والسموم التي تُقدم بكرم كبير للمواطن، حتى يتمتع بمذاق مختلف ربما لم يكن ليجربه في الظروف العادية! وهنا يكمن جوهر المشكلة: لماذا لا يتم القبض على كبار تجار هذه المهزلة؟ لماذا دائماً هناك “شخص واحد” يتحمل المسؤولية وكأن هذه المذبحة السرية مشروع فردي لشخص قرر أن يكون “ريادياً” في قطاع اللحوم الفاسدة؟

شرطة، مداهمة… ولكن ماذا بعد؟

نعم، الشرطة تدخلت، وتمت المداهمة، والمشتبه به أحيل إلى التحقيق، ولكننا نعلم جميعاً أن الحلقة لن تكتمل إلا كما تعودنا:

  1. يتم فتح تحقيق.
  2. تتبخر القضية في أدراج المكاتب.
  3. يظهر شخص آخر بعد أسابيع ليواصل المهمة.

الحلقة مستمرة، وكأننا في سلسلة مكسيكية لا نهاية لها!

مكتب السلامة الصحية.. أين كان قبل المداهمة؟

في النهاية، بعد ضبط هذه الكمية الضخمة، تأتي العبارة السحرية: “تم وضع اللحوم رهن إشارة المكتب الجهوي للسلامة الصحية”. يا له من شرف عظيم! ولكن، هل كان هذا المكتب نائماً طوال الوقت حتى احتاج إلى مداهمة الشرطة ليستيقظ على حقيقة أن هناك من يبيع للمغاربة سموماً بأسماء مختلفة؟

بل وأكثر من ذلك، نحن أمام حالة مضحكة مبكية:

  • المكتب الجهوي للسلامة الصحية هو نفسه الذي يتحمل جزءاً من المسؤولية، ومع ذلك يوكل إليه أمر “إتلاف اللحوم”! يا للمهزلة! ألا يفترض أن يكون أول من يعلم بوجود مثل هذه المجازر السرية؟ أم أنه لا يتحرك إلا بعد أن يُمسك أحدهم بيده ويوجهه إلى موقع الجريمة؟

الذبيحة السرية.. موروث وطني؟

يبدو أن الذبيحة السرية في المغرب ليست مجرد نشاط تجاري جانبي، بل هي صناعة قائمة بذاتها، مدعومة بشبكة من الوسطاء والتجار الذين لا يرون في المستهلك سوى كائن يمكن تسميمه بلا تبعات قانونية حقيقية.
وهنا يبرز سؤال وجودي:

  • إذا كنا نحارب هذه الظاهرة منذ عقود، فلماذا لا تزال بنفس القوة، وربما أكثر تنظيماً؟
  • هل هي مجرد بضعة أشخاص يقومون بهذه التجارة؟ أم أن هناك منظومة كاملة تحمي هذا النوع من الأنشطة؟

الخلاصة: المواطن هو الحلقة الأضعف!

في نهاية المطاف، المواطن المغربي، الذي يدفع ضرائب، ويُقنع نفسه يومياً بأنه يعيش في دولة المؤسسات، يكتشف مجدداً أنه الحلقة الأضعف في كل شيء:

  • في الشارع، يمكن أن يكون ضحية حفر عميقة بدون أي إشارات تحذير.
  • في المستشفيات، يمكن أن يُترك لساعات دون علاج.
  • وفي المطاعم، يمكن أن يتحول إلى مختبر تجارب للأطعمة الفاسدة!

ورغم كل هذه الفضائح، يبقى السؤال الأبدي معلقاً:
“واش كلينا اللحم الفاسد بلا ما نعرفو؟”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى