مجتمع

تنقيلات العمال: بين بطء التنفيذ وحتمية التغيير!

م-ص

في مشهد يعكس بوضوح العلاقة المثيرة بين السياسة وواقع التغيير في المملكة، بدأت موجة الحديث عن تعديل مرتقب في حركة العمال الذين يترأسون عمالات وأقاليم المملكة. كما هو الحال في كل مرة، يبدو أن التأملات في هذا النوع من التعديلات تتسم دائمًا بمزيج من التوقعات والتساؤلات التي قد تتحول بسرعة إلى كوميديا سوداء. فإذا كان “الجبل تمخض عن فأر”، فربما يمكننا أن نعتبر هذا التعديل المستقبلي مجرد “ترتيبات إدارية” خفيفة، لا تحمل في طياتها أي تغييرات جوهرية أو إصلاحات ميدانية حقيقية.

نستطيع، من باب السخرية، أن نتساءل مع الرأي العام، الذي في أغلب الأحيان يشعر بخيبة الأمل، هل سيستمر هذا المسلسل الممل الذي يبدو كأنه عرض بطيء في “تحريك” أصحاب المناصب، الذين يتحركون ببطء أكبر من السلحفاة، أم أن المسألة أصبحت أكثر من مجرد عملية تعيين وتعديل، بل هي تكريس للمفهوم الملتزم بـ”أداء واجبات كراء المنصب”؟ بمعنى أن هؤلاء “السادة العمال” أصبحوا يتخذون من مناصبهم وكأنها “إيجار طويل الأمد” على الرغم من أن الواقع يفرض عليهم أن يتحلوا بقدر أكبر من الديناميكية والابتكار في الإدارة.

إنه لأمر مثير للسخرية أن نجد أن التعديلات في المناصب العليا في المملكة تتحول إلى مجرد عملية روتينية يُتوقع فيها أن يتنقل الأشخاص من منصب إلى آخر دون أي ملامح حقيقية للتغيير في طريقة عملهم أو حتى في اهتماماتهم بالملفات الحاسمة التي تحتاج إلى حلول فورية. هذه التعديلات لا تأتي سوى في أوقات غياب الشجاعة السياسية لتنفيذ تغييرات حقيقية، وتبقى حكراً على إجراءات شكلية لا تمس جوهر المشاكل التي تعاني منها المناطق والأقاليم.

فهل يمكن أن نعتبر أن هذه “التعديلات” أصبحت جزءاً من ثقافة “الكراء السياسي”؟ هل يعقل أن تتمترس بعض الأسماء في هذه المناصب وكأنها حق مكتسب لا يتطلب التجديد أو المراجعة؟ وهذا، بالطبع، لا يعني أن التغيير يجب أن يأتي بالجملة أو لمجرد التغيير، ولكن لا بد من الاعتراف بأن التعديلات يجب أن تعكس تطوراً حقيقياً في النهج الحكومي، وفي طريقة تسيير الشأن المحلي، بما يخدم المصالح العامة بعيداً عن الاجتهادات الفردية أو الولاءات الضيقة التي لا تقدم شيئاً للمجتمع.

المؤسف في هذا السياق هو أن الجدل الدائر حول هذه التعديلات يظل محصوراً في إطار “المفاجآت الصغيرة”، التي لا تتجاوز حدود التغيير في بعض الأسماء فقط دون أن تؤدي إلى حدوث فرق حقيقي على مستوى الأرض. فلا زالت بعض الأقاليم والمناطق في حاجة ماسة إلى “عمال” يمتلكون الشجاعة والقدرة على اتخاذ القرارات الجريئة، وليس مجرد موظفين يمضون أوقاتهم في مكاتبهم متكئين على “الكراء السياسي” الذي يضمن لهم الاستمرار في مواقعهم دون الحاجة إلى إثبات أي جدارة أو إضافة حقيقية.

وفي النهاية، يبقى السؤال الذي يطرحه الرأي العام: هل ستظل التعديلات في حركة العمال مجرد خطوة إدارية تحتفظ بالرمزية ولا تتعدى ذلك؟ أم أن التغيير الفعلي سيحدث عندما يصبح من الواجب على هؤلاء القادة أن يظهروا التزامهم الحقيقي في خدمة الشعب وتحقيق التنمية الشاملة بدلاً من التركيز على المصالح الشخصية؟ للأسف، يبدو أن الوقت وحده سيجيب على هذا السؤال، ويبقى المواطن يتابع العرض البطيء للموظفين في المناصب، متأملاً أن يأتي يوم يحقق فيه التغيير المنشود.

وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى أن الرأي العام الوطني، الذي لطالما تمنى أن يرى تغييرًا حقيقيًا يلامس الواقع، يحمل آمالًا كبيرة في أن يتكفل جلالة الملك بتكليف لجنة مستقلة وذات مصداقية لإنجاز تقارير موضوعية حول أداء العمال في مختلف الأقاليم والعمالات. هذه التقارير، التي يتطلع إليها المواطنون، من شأنها أن تساهم في تقديم صورة واضحة وواقعية عن وضعية الإدارات الإقليمية، بما يفتح المجال للبحث عن بدائل حقيقية من أبناء الشعب، يكونون مؤهلين بحزم البطن، والصبر والمثابرة، واحترام الإدارة الحالية، ليتحملوا المسؤولية بشكل يضمن تطوير الأقاليم ورفع مستوى الأداء الإداري.

إن الرأي العام يرى أن الفرصة قد حانت لإعادة النظر في آلية تكليف المسؤولين وتقديم فرصة لأسماء جديدة، مع التركيز على الكفاءات التي تتسم بالنزاهة والتفاني في العمل، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة، وبهدف خدمة المصلحة العامة للمواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى