مجتمع

الدكتوراه بالمغرب: حين يكون النسخ واللصق أسرع من البحث والتدقيق!

م-ص

هل سمعتَ يوماً عن أولئك الذين ينالون الدكتوراه قبل أن يفرّقوا بين “كان” و”كأن”؟ لا تضحك، فهذا ليس لغزاً ولا طرفة، بل حقيقة صادمة نعيشها في زمن تسلق الدرجات العلمية بسرعة البرق، دون أي مجهود يذكر سوى الضغط على أزرار النسخ واللصق!

تعود قصتنا إلى عام 2013، عندما طلبت منا قائدة ومديرة ديوان “محترمة”، معطيات اقتصادية، بحجة أنها في أمسّ الحاجة إليها. وبحكم علاقتنا ومعرفتنا بالميدان، وفرنا لها المعلومات التي طلبتها على طبق من ذهب. لم ننتظر شكراً، فقد اعتدنا على الجحود في العلاقات الإنسانية والمهنية، لكن لم يخطر ببالنا أن هذه المعطيات ستتحول، بقدرة قادر، إلى أطروحة دكتوراه متكاملة، بل وبميزة حسن أيضاً!

عندما تلقينا دعوة لحضور المناقشة في جامعة محمد الخامس بالرباط، لم يكن يخطر ببالنا أننا سنقف على مشهد عبثي بامتياز. جلسنا في القاعة نتابع العرض، وعقولنا تحاول استيعاب الكارثة: النصوص مألوفة، العبارات مألوفة، بل حتى الأخطاء المطبعية التي وقعنا فيها حين أرسلنا لها المعطيات… كلها موجودة! المدهش في الأمر أنها كانت تتحدث عن الاقتصاد وكأنها تقرأ تعويذات سحرية، بلا فهم ولا استيعاب.

لكن الصدمة الكبرى لم تكن في “كوبيي كولي” الأطروحة، بل في المستوى اللغوي لصاحبة “الدكتوراه”! كيف يعقل أن باحثة في أعلى سلم التكوين الأكاديمي لا تفرق بين “كان” و”كأن”؟ أي بحث علمي هذا الذي يمرّ من دون تدقيق لغوي ولا حد أدنى من الفهم؟ بل الأدهى أن لجنة المناقشة نفسها بدت وكأنها مستمتعة بالعرض، وكأنها لم تلاحظ أي شيء غريب…

اليوم، عندما نرى أبناء الشعب يكافحون من أجل نيل الدكتوراه، ونرى فرحة آبائهم الذين يشعرون أنهم حصدوها معهم بعد سنوات من التضحيات، نشعر بالسعادة. المشكلة في المغرب ليست في الطلبة، بل في نظام التوجيه الغائب. في الدول التي تحترم البحث العلمي، هناك مستشارون تربويون وأكاديميون يساعدون الطلبة في اختيار تخصصاتهم بناءً على اهتماماتهم وقدراتهم. أما عندنا، فغالباً ما يُترك الطالب لمصيره، يدرس شيئاً لا يعرف مستقبله، أو يجد نفسه يتخبط في مسار أكاديمي دون بوصلة.

أما عن “دكاترة النسخ واللصق”، فهم جزء من منظومة أكبر، حيث تتحول الجامعات إلى مصانع شهادات، وتصبح الألقاب العلمية مجرد أوسمة تعلق على الصدور دون أي مضمون حقيقي. عندما تصبح المعرفة سلعة، وعندما يكون البحث العلمي مجرد إجراء شكلي للحصول على ترقية أو منصب، فلا عجب أن نجد أنفسنا أمام جيل من “الدكاترة” الذين يحتاجون إلى دروس تقوية في أساسيات اللغة قبل أن يحاضروا في الاقتصاد أو القانون أو العلوم السياسية!

في النهاية، ليست المشكلة في “الدكتورة”، بل في قيمة الدكتوراه نفسها، وهل لا تزال تحمل ذلك البريق الذي كانت تحمله من قبل؟ أم أنها تحولت إلى مجرد ورقة رسمية مثلها مثل رخصة السياقة، يحصل عليها الجميع طالما أن لديهم “المعارف” المناسبة؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى