مجتمع

الأمهات اللامسؤولات: ضحايا المجتمع أم جناة؟

دابا ماروك

في عالم تتداخل فيه الأقدار والتحديات، تبرز صورة مؤلمة لأمهات يواجهن الحياة بعجز غير مُبَرر، لدرجة أنهن يصبحن جزءًا من معاناتهن بدلاً من أن يكنّ ملاذًا لأطفالهن. قد تجدهن أمهات لا يُلامن تمامًا على ضياعهن، فالمجتمع بأسره يساهم في تكوين هذه الهوة بينهن وبين أطفالهن، لكنه في الوقت ذاته يطرح العديد من الأسئلة المقلقة حول حدود المسؤولية التي يجب أن يتحملنها في حياتهن وأمام أبنائهن.

تعتبر الأمهات اللامسؤولات صورة مُجَسَّدة لمعاناة فئة كبيرة من النساء اللواتي يعشن في ظروف قاسية، يُكرَهن على العيش في ضغوطات نفسية واجتماعية تدفعهن أحيانًا إلى اتخاذ قرارات قد تضر بأطفالهن. فالمرأة التي تجد نفسها غارقة في مشاكل الحياة، سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، أو عاطفية، تبدأ في تقديم تضحيات غير محسوبة قد تؤدي إلى تشريد أطفالها أو تركهم في يد المجتمع.

في قصتنا، نجد إحدى هذه الأمهات التي تُركت وحدها لتواجه الحياة بمفردها بعد أن عجزت عن تحمُّل عبء الحياة. وفاة الأم كانت نتيجة لمشاكل تراكمت عليها، لم تكن قادرة على حملها أو المواجهة، وفي كثير من الأحيان، لم تجد الدعم الذي يمكن أن يعينها على تحمل مسؤولياتها كأم. هذا النموذج من الأمهات اللامسؤولات، والذي قد يُعتبر “مُهملاً”، هو في الحقيقة صورة مأساوية للمرأة التي تعرضت للخذلان من كل جانب، حتى من أقرب الناس إليها.

تجد هذه الأمهات أنفسهن في دائرة مفرغة من الضغوطات، وفي أحيان كثيرة، يَصُب المجتمعُ كامل اللوم على هؤلاء الأمهات دون النظر في الأسباب التي دفعتهن إلى التراجع عن أداء دورهن الأمومي. أما الأطفال الذين يصبحون ضحايا هذا الإهمال، فإنهم يتحملون العواقب الوخيمة الناتجة عن غياب الأمان الأسري، وتهميش العاطفة والتوجيه السليم.

ولكن هل يكمن اللوم فقط في الأمهات؟

بالتأكيد، لا يمكننا أن ننظر إلى هذه القصة أو غيرها من القصص التي تتناول الأمهات اللامسؤولات دون أن نتساءل عن دور المجتمع في هذه الديناميكية. غالبًا ما تكون النساء في هذه الأوضاع ضحايا للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تجبرهن على الاختيار بين البقاء في محيط مليء بالصعوبات أو الخروج منه والبحث عن ملاذ خارجي. هذا الملاذ، في كثير من الأحيان، يأخذ شكل الهروب إلى السهرات، الملتجأ إلى أماكن لا توفر البيئة المناسبة للأطفال، وقد يُترَك الأولاد لدى الجيران أو في الشوارع، مُجَرَّدين من العناية والرعاية التي يحتاجونها. لا يمكننا إغفال تأثير تلك الهوايات السلبية في نشوء أجيال من الأطفال المحرومين.

من جانب آخر، نجد أن المجتمع في بعض الحالات يظل صامتًا أمام هذا الواقع، ما يسمح باستمرار هذه الظاهرة. لا يمكن تحميل الأم وحدها مسؤولية التشرد الأسري، فالأسرة لا تتكون فقط من الأم، بل تشمل الأب أيضًا، وكذلك المجتمع الذي يمرر فكرة أن “النساء مسؤولات دائمًا”، في حين ينسى الدور المترتب على الأب وبيئة المجتمع في تأمين حياة أفضل.

ما هو الحل؟

المجتمع بحاجة إلى إعادة التفكير في مفهوم المسؤولية الأمومية، والتعامل مع الأمهات اللامسؤولات من منظور الدعم وليس اللوم فقط. يجب أن تكون هناك جهود حقيقية لتوفير برامج مساعدة اجتماعية ونفسية، وتوجيه النساء إلى الحصول على المساعدة التي يحتاجنها لتجاوز مشاكلهن الشخصية والاجتماعية. هذا لا يعني فقط مساعدتهن على تربية أطفالهن، بل أيضًا مساعدتهن في بناء حياة مستقلة تمنحهن القوة لأداء دورهن بشكل كامل.

أيضًا، من الضروري أن نغرس في المجتمع قيمة المشاركة في المسؤولية الأسرية، وتغيير النظرة التقليدية التي تلقي كامل اللوم على الأمهات، بل يجب أن يتم إشراك الجميع، من الآباء إلى المجتمع المدني، في خلق بيئة حاضنة تعزز من قيمة الأسرة وتجعل من مسؤولية كل فرد جزءًا من بناء مجتمع مستدام.

في النهاية، لا بد أن نعترف بأن الأمهات اللامسؤولات، وإن بدين في نظر البعض مثالًا للفشل، هن في الحقيقة ضحايا لسلسلة من العوامل التي تفوق قدرتهن على التغيير. وفي مواجهة هذه الظاهرة، يجب أن نكون مستعدين للبحث عن حلول حقيقية، بدلاً من إلقاء اللوم دون فائدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى