دفاتر قضائية

تحت الرماد: محاكمة الموثقة في ملف إسكوبار الصحراء”، وعالم الفساد العقاري في قبضة القضاء

 دابا ماروك

في مسلسل الأحداث الذي تكتسب تفاصيله حرارة مع مرور الأيام، لا شك أن القضية التي تشغل الرأي العام المغربي ستظل محط اهتمام كبير خلال الفترة المقبلة، خاصة مع اقتراب شهر رمضان، وهو ما يثير في ذاكرة الكثيرين حالة الإثارة التي صاحبت محاكمة محمد مصطفى ثابت، عميد قسم المستندات والمخابرات قبل أكثر من ثلاثين سنة، وهي التي تُعتبر علامة فارقة في تاريخ القضايا التي تخللتها أدلة وقائع حاسمة.

بالنسبة للمحاكمة الحالية، تتسم التفاصيل بالكثير من الغموض والشكوك التي تحيط بالمتهمين، خصوصًا الموثقة (س-ب) التي تواجه تهمًا تتعلق بالتزوير، وهو ما يتداخل مع العديد من الأسماء التي قد تثير تساؤلات حول حجم الفساد الذي يسود في بعض المؤسسات والمجالات. إذ يبرز في هذه القضية اسم “إسكوبار الصحراء”، وهو لقب أثار فضول العديد من المتابعين الذين يبحثون عن تفاصيل حول هذا البارون الدولي في المخدرات، الذي يجد نفسه وسط شبكة من العلاقات المعقدة التي تجمع بين رجال أعمال ومسؤولين سياسيين ورياضيين.

ما يثير الاستغراب في القضية هو الأبعاد التي يأخذها التحقيق، ولا سيما في ما يتعلق بالصفقة المشبوهة الخاصة ببيع 11 عقارًا بين عبد النبي بعيوي والحاج ابن إبراهيم، حيث شابها الكثير من الملابسات القانونية، ابتداء من غياب الأطراف الرئيسية في توقيع العقود، مرورًا بتورط الموثقة التي اعترفت بتوثيق العمليات دون حضور البائع، وهو ما يثير العديد من الأسئلة حول نزاهة الإجراءات القانونية في تلك الفترة.

وتزداد الأمور تعقيدًا مع تصريحات المتهمة التي بدت مرتبكة أمام المحكمة، خاصة بعدما واجهتها محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بتفاصيل عملية البيع التي شابتها العديد من الشبهات، منها توقيع العقود من طرف واحد، وهو ما يتناقض مع الإجراءات القانونية التي تقتضي حضور جميع الأطراف لتوثيق الصفقات العقارية. ورغم محاولات الموثقة الدفاع عن نفسها بالتأكيد على أنها لم ترتكب أي مخالفة قانونية، إلا أن الأسئلة التي طُرحت عليها كانت تفضح ضعف تبريراتها وتكشف عن ثغرات في أقوالها.

أما الشاهد الذي أكد حضوره أثناء توقيع العقود، فهو يضيف بدوره طبقة من التعقيد في فهم ما حدث، حيث صرح أنه كان قد شاهد حقيبة تم وضعها في سيارة بعيوي دون أن يعرف محتوياتها، وهو ما يفتح الباب أمام احتمال تورط أشخاص آخرين في القضية، مما يعمق من تعقيد الأمور. وتزداد الشكوك حول ما إذا كانت هناك علاقة بين هذا الملف والقضايا الأخرى التي قد تكشف عن شبكة معقدة من الفساد تتخلل العديد من القطاعات.

ومن المتوقع أن تتوالى حلقات هذا المسلسل القضائي الذي يحمل في طياته العديد من المفاجآت والتفاصيل المثيرة، والتي ستكشف المزيد من الحقائق حول التورط المحتمل لأشخاص آخرين في القضية. ومع تأجيل المحاكمة إلى الأسبوع المقبل، من المرجح أن تظهر المزيد من الأدلة والشهادات التي قد تكشف عن شبكة كبيرة من الفساد والاستغلال للنفوذ، خاصة إذا تواصلت التحقيقات بكشف مزيد من التفاصيل حول عملية البيع والعقوبات المقررة.

إن هذا الملف القضائي، الذي بدأ يعرض أولى حلقاته أمام الرأي العام، يشكل حالة نادرة من التوتر بين القوى القانونية والسياسية، ويجعلنا نتساءل عن مستقبل محاكمات كهذه في مجتمع تحاول فيه العدالة تجاوز ما عُرف سابقًا من تواطؤ وتكتم على الكثير من القضايا الكبرى التي كانت تمر دون أن تثير اهتمام العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى