
قانون الإضراب في المغرب: بين شرعية النضال وشبح التقييد
دابا ماروك
في زمن تتعالى فيه الأصوات المطالبة بالحفاظ على المكتسبات العمالية، يطفو على السطح مشروع القانون التنظيمي للإضراب، محمّلًا بنقاط خلافية تضعه في مرمى انتقادات قوية من النقابات العمالية، خاصة فيما يتعلق بشرط التمثيلية ومعاقبة المضربين بالاقتطاع من الأجور. ويبدو أن هذا المشروع، بدل أن يكون حصنًا لحماية الحق الدستوري في الإضراب، قد يتحول إلى أداة لتقييد أحد أهم وسائل الدفاع عن حقوق الأجراء.
الإضراب: حق مكفول أم امتياز مشروط؟
ينطلق الجدل من نقطة أساسية تتعلق بشرط “التمثيلية”، حيث ينص مشروع القانون على أن الدعوة إلى الإضراب في القطاعين العام والخاص لا يمكن أن تتم إلا عبر نقابة “أكثر تمثيلا” أو نقابة “ذات تمثيلية” وفق تعريفات غير دقيقة. هذا الشرط يطرح إشكالات متعددة، أولها غياب إطار قانوني واضح يحدد معايير التمثيلية في القطاع العام، مما يفتح الباب أمام التأويلات والتضييقات المحتملة.
النقابات المنتقدة ترى أن هذا التقييد يتنافى مع روح الدستور، الذي يكفل الحق في الإضراب دون ربطه بأي شروط تعجيزية. فإذا كان لكل مواطن الحق في تأسيس نقابة والانخراط فيها، فلماذا يُحرم من حق الدعوة إلى الإضراب بحجة التمثيلية؟ ألا يعني ذلك حرمان جزء كبير من العمال من أحد أهم أدواتهم النضالية؟
المستشارون النقابيون: دفاع شرس عن الحق في الإضراب
في محاولة لتوسيع دائرة المستفيدين من هذا الحق، اقترح مستشاران برلمانيان عن نقابة الاتحاد الوطني للشغل تعديلات جذرية على مشروع القانون، تهدف إلى:
- إلغاء شرط التمثيلية، بحيث يمكن لأي نقابة مؤسسة وفق القوانين الجاري بها العمل أن تدعو إلى الإضراب، سواء على المستوى الوطني أو داخل المرافق العمومية والمؤسسات والمقاولات.
- إتاحة الحق في الدعوة للإضراب للأفراد والجمعيات المهنية، خاصة بالنسبة للعاملين في المهن الحرة والعاملات والعمال المنزليين، الذين يفتقدون غالبًا إلى أطر تنظيمية قوية تدافع عن حقوقهم.
- إشراك مندوبي الأجراء ولجان الإضراب في تنظيم الإضرابات داخل المؤسسات، بدل حصر الأمر في النقابات الأكثر تمثيلًا.
هذه الاقتراحات تعكس رغبة واضحة في كسر احتكار القرار النقابي ومنح العمال مزيدًا من الاستقلالية في اتخاذ قراراتهم النضالية، بدل رهنها ببيروقراطية نقابية قد لا تعكس بالضرورة مصلحة الجميع.
الاقتطاع من الأجور: عقوبة أم وسيلة ردع؟
من أكثر البنود إثارة للجدل في مشروع القانون، النص على اعتبار كل مضرب عن العمل في “حالة توقف مؤقت عن العمل لا يؤدى عنه أجر”. هذا المبدأ، الذي يبدو للوهلة الأولى منطقيًا تحت شعار “الأجر مقابل العمل”، يلقى معارضة شرسة من النقابات، التي ترى فيه عقوبة مقنعة تهدف إلى ردع العمال عن ممارسة حقهم في الإضراب.
فإذا كان الإضراب يُنظَّم في الغالب دفاعًا عن حقوق الأجراء، سواء فيما يتعلق بالأجور أو ظروف العمل أو الضمان الاجتماعي، فكيف يمكن معاقبة المضربين بحرمانهم من الأجر، بينما أصل الإضراب قد يكون للمطالبة بأجرهم نفسه؟ يبدو الأمر أشبه بمن يُعاقَب لأنه طالب بحقه في العلاج بعد تعرضه لحادث داخل العمل!
النقابيون المدافعون عن الإضراب دون اقتطاع، يجادلون بأن هذا البند قد يكون سلاحًا فعالًا بيد أرباب العمل، حيث يمكن لأي مشغل أن يماطل في تنفيذ التزاماته، مطمئنًا إلى أن أي محاولة للاحتجاج ستُقابل بحرمان العمال من أجورهم، ما سيجعل الكثير منهم يترددون قبل اتخاذ قرار خوض إضراب، خوفًا من التداعيات المالية.
الإضراب بين التنظيم والتضييق: هل من حل وسط؟
من الواضح أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب يسير على حبل مشدود بين تنظيم ممارسة هذا الحق وحمايته من الانفلات، وبين فرض قيود قد تُفرغه من مضمونه. في المقابل، يرى البعض أن الحل لا يكمن في منح الحرية المطلقة للإضراب، ولا في تقنينه بطريقة تجعله مستحيلًا، بل في إيجاد معادلة متوازنة تحترم حقوق العمال دون الإضرار بالسير العادي للمرافق الاقتصادية والخدماتية.
لكن إلى أن يتم التوصل إلى هذا التوازن، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيظل الإضراب سلاحًا فعّالًا في يد العمال، أم سيتحول إلى حق معطَّل، تحاصره الشروط والعقوبات، حتى يصبح مجرد بند نظري في الدستور بلا أي تأثير على أرض الواقع؟