
البيض بين الغلاء والبلاء: كيف أصبحنا رهائن في يد “كارتيل الكتاكيت”؟
دابا ماروك
هل سمعتم عن المافيا الاقتصادية التي تشتغل بهدوء، دون أن تحتاج إلى أقنعة سوداء أو سيارات مسروقة؟ لا حاجة لمطاردات هوليودية هنا، فالمجرمون الجدد يحملون لقبًا محترمًا: “منتجو البيض”. نعم، هؤلاء الأباطرة الذين قرروا أن يجعلوا المواطن المغربي رهينة “كرتونة بيض”، حتى باتت هذه المادة الأساسية أقرب إلى حلم مستحيل لعائلة متوسطة الدخل، وخاصة ونحن على أبواب رمضان، حيث تتحول وجبة “البيض المسلوق” إلى “طقس ديني” لدى البعض.
البيض ليس وحده.. الجميع في الطابور!
قبل أن نبدأ بالصراخ من الغلاء، دعونا نعترف أن البيض ليس الوحيد الذي “فقس” أسعاره فوق رؤوسنا. جميع المواد الغذائية تقريبًا أصبحت في مزاد علني، ترتفع دون سبب واضح، ولا تنخفض حتى لو حلّ السلام الاقتصادي. الطماطم، اللحوم، الزيت، والسكر، كلها قررت أن ترتدي “الكعب العالي” في السوق، ولم تعد تهبط مهما حصل. لكن البيض حالة خاصة، لأنه المكوّن السهل الذي يعتمد عليه الجميع: من التلميذ الذي يأخذه في “ساندويتش”، إلى ربّة البيت التي تستعمله في تحضير الحلوى، وصولًا إلى “البسطاء” الذين يعتبرونه بديلا للحوم.
الدجاجة التي تبيض ذهبًا.. لكن ليس لنا!
وفقًا لأرقام السوق، فإن ثمن البيض في الضيعات الفلاحية بالجملة بلغ 1.42 درهم، ليصل إلى المستهلك بأكثر من 1.70 درهم، وهذا إن كان الحظ حليفك، ولم تسرح بك الأقدار إلى دكان يستغل ضعفك المالي ويبيع لك البيضة بـدرهمين أو أكثر. أما التبرير الرسمي، فهو كالعادة جاهز: “غلاء المواد الأولية”!
لكن دعونا نتساءل: هل ارتفع سعر الذرة أو الصويا فجأة؟ هل فقد العالم السيطرة على إنتاج الكتاكيت؟ أم أن هناك “كارتيل” غير مرئي يخطط لجعل المغاربة يحنّون لأيام كانت البيضة تعادل درهمًا واحدًا؟
“رمضان كريم”.. على المضاربين فقط!
من حسن الحظ أن شهر رمضان المبارك يطلّ علينا قريبًا، حيث يتحول الاقتصاد المغربي إلى مهرجان للعجائب، فكل شيء يرتفع، حتى لو لم تكن له علاقة بالموسم. هل لاحظتم أن البيض لم يتوقف عن الارتفاع منذ أشهر؟ هل الأمر مصادفة؟ طبعًا لا! فاللوبيات تعرف أن الطلب على البيض سيتضاعف، تمامًا كما يرتفع الإقبال على القطاني والأسماك والزيوت، فتقوم بتحريك الخيوط الخفية لجعل البيض “عملة نادرة”.
المواطن “يبيض”.. ولكن دمه فقط!
لنتخيل مشهدًا بسيطًا:
يستيقظ المغربي صباحًا، يتوجه للبقال، يجد أن ثمن البيض قد ارتفع مجددًا، يتحسر قليلًا، ثم يقرر شراء أربع بيضات فقط بدل ستة. يعود إلى المنزل، فتخبره زوجته أن الأسعار ارتفعت حتى في السوق المركزي، فيقرر أن يأكل “خبزة وزيتونة”، ويؤجل حلم “الأومليت” إلى مناسبة خاصة.
بالمقابل، في الضيعات الكبرى، تجلس دجاجات سمينة تتغذى على الأعلاف، وتبيض يوميًا مئات الآلاف من البيض، الذي يُجمع ويُنقل إلى الأسواق تحت أعين “لوبي البيض”، الذين يحسبون كل بيضة وكأنها “سند بنكي”، ترتفع قيمته مع مرور الوقت!
هل من حل؟ أم نكتفي بالصبر؟
قد يسأل البعض: أين الدولة من كل هذا؟ لماذا لا تتدخل لوقف النزيف؟ والجواب بسيط: “اللعبة الاقتصادية تحكمها قوانين السوق الحر”، أي أن المواطن عليه أن يتدبر أمره بنفسه. لكن، ألا يحق لنا أن نسأل: لماذا لا يتحرك السوق في الاتجاه المعاكس؟ لماذا عندما ترتفع الأسعار لا تنخفض أبدًا، حتى لو عادت الظروف إلى طبيعتها؟ هل نحن أمام قانون الجاذبية العكسية، حيث لا يسقط أي سعر بعد صعوده؟
في النهاية، ربما الحل الوحيد هو أن نربي الدجاج في الشرفات، أو نكتفي بشراء البيض بالقطعة مثلما نشتري الحبة، أو نكتفي بوجبة “ذكريات البيض”، ونتذكر أيامًا كان فيها البيض طعامًا للفقراء.. وليس رفاهية للطبقة المتوسطة!