
إصلاح الضمان الاجتماعي أم شرارة أزمة جديدة؟ بين وعود الحكومة وغضب النقابات
دابا ماروك
ها نحن أمام مشهد كلاسيكي من مشاهد السياسة الاجتماعية في المغرب: مشروع قانون يُمرر في البرلمان، ونقابات تلوّح بالتصعيد، وحكومة تدافع عن خياراتها، وأجراء يتابعون المشهد بتوجس، متسائلين: هل هو إصلاح طال انتظاره أم مجرد إعادة ترتيب للأوراق لصالح فئة بعينها؟
ضمان اجتماعي جديد.. أم ضمان لمشاكل جديدة؟
مشروع القانون رقم 02.24، الذي جرى تمريره بأغلبية 108 أصوات مقابل 46 رافضًا، يأتي ليغير بنية الضمان الاجتماعي في المغرب، لكنه، كغيره من المشاريع الكبرى، لم يمر دون إثارة الجدل. فالحكومة ترى فيه وسيلة لتعزيز الحماية الاجتماعية وتحديث أساليب تدبير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، بينما ترى النقابات فيه قرارًا أحاديًا قد تكون له تداعيات خطيرة على الطبقة العاملة.
الوزيرة نادية فتاح قدمت المشروع على أنه خطوة إلى الأمام، تسمح للصندوق بتوسيع مهامه، وإدارة أنظمة أخرى للحماية الاجتماعية، ومنح المدير العام صلاحيات أوسع، فضلاً عن إمكانية إنشاء شركات فرعية لتطوير أساليب التدبير. لكن السؤال المطروح: هل هذا التحديث في آليات الإدارة يخدم فعلاً المستفيدين من الضمان الاجتماعي أم يفتح الباب أمام منطق السوق داخل مؤسسة من المفترض أن تكون غير ربحية في جوهرها؟
النقابات: وعود الحكومة في خبر كان!
على الجانب الآخر، النقابات، وعلى رأسها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ترى أن الحكومة تخلّت عن التزاماتها بالحوار الاجتماعي، بل وخرقت اتفاق 30 أبريل 2022 الذي كان من المفترض أن يكون مرجعًا في أي إصلاح يمس الأجراء. وكالعادة، باتت لغة “الأغلبية العددية” هي الحجة التي تُسكت بها الأصوات المعترضة داخل قبة البرلمان، لكن خارجها، في الشارع، هل سيكون الأمر بهذه السهولة؟
أحد أعضاء المكتب التنفيذي للكونفدرالية، أكد بوضوح أن النقابات لن تبقى مكتوفة الأيدي، مشيرًا إلى أن تمرير هذا القانون دون توافق اجتماعي قد يؤدي إلى احتقان كبير، تمامًا كما حدث مع قانون الإضراب الذي واجهته النقابات بالمسيرات والوقفات الاحتجاجية.
الحديث هنا لا يقتصر على قانون الضمان الاجتماعي فقط، بل يمتد إلى مشاريع أخرى تُثير الجدل مثل قانون الإضراب، ودمج الصندوق المغربي لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (كنوبس) مع الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (سنس)، وغيرها من القوانين التي تُطرح بعيدًا عن طاولة الحوار الاجتماعي، في مشهد يُعيد إلى الأذهان سياسة الأمر الواقع التي غالبًا ما تُفضي إلى أزمات اجتماعية.
احتقان اجتماعي في الأفق؟
التاريخ يُعلّمنا أن القرارات التي يتم فرضها دون توافق مسبق غالبًا ما تكون سببًا في اضطرابات لاحقة. التلويح بالتصعيد النقابي يعني أننا قد نكون أمام جولات جديدة من الاحتجاجات، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الهشة، وتزايد الضغوط المعيشية على الأسر المغربية.
إذا كانت الحكومة ترى أن توسيع مهام CNSS سيُحسن الخدمات، فإن السؤال الذي يطرحه المتوجسون هو: هل سيؤدي ذلك إلى رفع المساهمات المفروضة على الأجراء والمقاولات؟ وهل سيتم الحفاظ على الطابع الاجتماعي للصندوق أم ستتحول بعض خدماته إلى منطق تجاري، خاصة مع السماح بإنشاء شركات فرعية؟
وبالنظر إلى ما حدث مع ملفات اجتماعية سابقة، من المفترض أن يُطرح سؤال جوهري: لماذا تتجنب الحكومة الحوار مع الفاعلين الاجتماعيين في هذه الملفات الحساسة؟ هل هو تعنت، أم أن هناك خلفيات أخرى تجعل التشاور مجرد رفاهية غير ضرورية في نظر بعض المسؤولين؟
الرهانات المقبلة.. والتوازنات الصعبة
تمر الحكومات، وتتغير الوجوه في البرلمان، لكن الملفات الاجتماعية الكبرى تبقى رهينة صراع دائم بين منطق الإصلاح ومنطق الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية. وبينما قد يُنظر إلى هذا القانون كخطوة تحديثية، فإن تجاهل النقابات وإقصاء الحوار الاجتماعي سيُحوّل المشروع من “إصلاح منتظر” إلى “فتيل لأزمة جديدة”.
يبقى الرهان الآن على قدرة الحكومة على امتصاص غضب النقابات، وعلى قدرة هذه الأخيرة على توحيد صفوفها من أجل فرض صوتها في معركة لم تبدأ فصولها بعد!