مجتمع

البنية التحتية في المغرب: حينما تكشف قطرات المطر عن المستور!

دابا ماروك

مع كل فصل شتاء، يعيش المغاربة فصلاً جديداً من دراما البنية التحتية، حيث تتحول الشوارع إلى بحيرات، والمنازل إلى أحواض سباحة، والأزقة إلى مجاري مائية متدفقة. مشهد يتكرر كل عام، رغم الملايير التي تُنفق على مشاريع التأهيل والتحديث. لا نحتاج لإعصار أو فيضان كارثي، فقط بضع ساعات من الأمطار كافية لكشف المستور، وفضح هشاشة مشاريع مغشوشة، بعضها لم يجف إسفلتها بعد!

مسرح الكارثة: شوارع أم قنوات؟

ما إن تهطل الأمطار، حتى تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي صور وفيديوهات لشوارع غارقة، سيارات طافية، وأصحاب دراجات نارية يخوضون مغامرات تشبه “سباق التجديف”. ناهيك عن مشاهد المارة الذين يرفعون سراويلهم ويتشبثون بالأرصفة، بينما يتفرج عليهم السائقون من نوافذ سياراتهم التي تحولت إلى قوارب غير مجهزة للتنقل في هذا “البحر المفاجئ”.

مشاريع بالملايير… لكن أين الجودة؟

لطالما تم الإعلان عن مشاريع ضخمة للبنية التحتية، طرق، قناطر، أنفاق، قنوات لتصريف مياه الأمطار… لكن أين هي هذه المشاريع عندما تحين ساعة الامتحان؟ كل ما نراه هو إسفلت ينهار، قنوات تصريف تنسدّ، طرق تغرق، ومواطنون يسبحون وسط أمواج من الطين والمياه الموحلة.

الكارثة لا تقتصر على الأحياء الشعبية فحسب، بل حتى الأحياء الراقية والمناطق الجديدة التي يفترض أن تكون مصممة وفق معايير حديثة، هي الأخرى تعاني من نفس المصير. فكيف يمكن لحي أن يتم تسويقه على أنه “راقي” وتنهار طرقه بعد أول تساقط مطري؟! يبدو أن بعض المشاريع يتم تدشينها بـ”التقسيط”، بحيث يتم بناء الطريق أولًا، ثم التفكير في شبكة الصرف لاحقًا، وكأن المسؤولين يفترضون أن المطر لن ينزل أبدًا.

مطارات مصغّرة ومحطات طوبيس عائمة

يحق للمغاربة أن يتساءلوا: هل نحن بحاجة إلى بناء مطارات دولية جديدة، أم أننا نملك بالفعل مطارات مصغرة وسط المدن؟ كيف لا، وأغلب محطات الطوبيس، محطات القطار، وحتى بعض الأسواق، تتحول إلى بحيرات بمجرد هطول المطر! ومن سخرية القدر أن تجد نفسك في محطة حافلات لا يمكن الوصول إليها دون خوض مغامرة “قفز الحواجز” فوق برك مائية وأوحال.

عندما تغرق المدارس والمستشفيات أيضًا

المأساة تمتد إلى المؤسسات العمومية: مدارس تغرق، أقسام تغلق، مستشفيات تعاني من تسرب المياه من الأسقف، والممرات تتحول إلى ممرات مائية. هنا، لا يملك المواطن سوى أن يتساءل: أين ذهبت أموال الإصلاحات التي يتم التطبيل لها كل عام؟ وهل يعقل أن تظل بنية تحتية “جديدة” عاجزة عن مقاومة أول اختبار حقيقي؟

التحقيقات الوهمية والتصريحات الباردة

كما هو متوقع، وبعد كل كارثة، تخرج التصريحات المعتادة:

  • “لم تكن هناك أي خسائر في الأرواح” (وكأن المطلوب أن يغرق نصف السكان حتى نعتبرها مشكلة!).
  • “السلطات تدخلت بسرعة لتصريف المياه” (بعدما أمضى المواطنون ساعات وسطها!).
  • “سيتم فتح تحقيق لمعرفة الأسباب” (تحقيقات لا تنتهي، ولا نتائج تُعلن، وكأن السحر يعيد نفس الكارثة كل عام!).

المواطن يدفع الثمن دائمًا!

في النهاية، المواطن هو الضحية الأولى والأخيرة. فمن منا لم يدفع فاتورة إصلاح سيارة تضررت بسبب حفرة غارقة؟ من منا لم يضطر لتغيير مساره أو تعطلت مصالحه بسبب الطرق الغارقة؟ من منا لم يسمع عن تجار فقدوا سلعهم بسبب تسرب المياه إلى محلاتهم؟ والمضحك المبكي أن الضرائب تُفرض، والرسوم تُرفع، لكن البنية التحتية لا تتحسن!

الخلاصة: المطر كشف الحقيقة!

لا يمكن الاستمرار في تحميل الطبيعة مسؤولية الفشل. الخلل الحقيقي يكمن في الغش، انعدام التخطيط، وغياب المحاسبة. الأمطار ليست مشكلة، المشكلة هي أننا لم نستطع بعد بناء مدن قادرة على الصمود أمام تساقطات مطرية عادية، فماذا لو واجهنا كوارث حقيقية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى