
البرلمان في السجن: من يستحق الهتاف ومن يستحق العقاب؟
دابا ماروك
منذ أن وصل مفهوم الديمقراطية إلى المغرب، وبات الشعب يعيش على أمل بناء مجتمع أكثر عدلاً وشفافية، أصبح المواطن المغربي يشهد فصولًا متتالية من الدراما السياسية التي تترجم تباينًا غير مسبوق بين صورة المسؤول الذي يرفع شعار “المصلحة العامة” وبين الواقع الذي يعيشه من يظن نفسه في منأى عن المساءلة. فحتى في اللحظات التي يعكف فيها القضاة على محاكمة البرلمانيين ورؤساء الجماعات، وأحيانًا حتى أولئك الذين كانوا في يوم ما رموزًا للسلطة والجاه، يبقى الشارع المغربي بين نارين: نار الظلم الذي استمر لسنوات ونار الفرحة التي تندلع عندما يتم محاسبة هؤلاء الذين استغلوا مناصبهم.
في قلب هذه المعادلة، يُصدم البعض عندما يجدون أن المركب السجني عين السبع، الذي يُعد من أشهر سجون المغرب، أصبح في نظر العديد “البرلمان البديل” أو الغرفة الثالثة، حيث يبدو أن بعض أجنحته قد أصبحت تضم نخبةً من المسؤولين الذين تتعثر ملفاتهم في زوايا المراكز القضائية. وبينما يستمر البعض في تلقي الوعود الزائفة بمحاربة الفساد، يجدون هؤلاء الفاسدين أنفسهم في مكانٍ يندر أن يعبره أحدهم إلا وهو يحمل حقيبة مليئة بالأسرار، أموالاً مشبوهة وعلاقات مع شبكات متشابكة تجعل من السهل عليهم الانتقال بين منصات البرلمان وبين الزنازين.
لكن الأكثر إثارة للدهشة هو أن البعض، من المقربين لهم أو أولئك الذين كانوا قد استفادوا من سخائهم، ما زالوا يرون فيهم “أبطالًا مظلومين”، ليس فقط بسبب الأموال التي تمتعوا بها، ولكن بسبب تلك الهالة التي كانت تميزهم في أذهان العامة. فحتى اليوم، نجد أن البعض لا يستطيع أن يتخيل كيف يمكن أن يتحول هؤلاء “الأبطال” إلى أعداء للعدالة، ويصعب عليهم رؤية الواقع كما هو: هؤلاء الأفراد الذين كانوا يعبثون بمقدرات الشعب على مدار سنوات.
ولا يمكن أن نغفل عن أبطال القصة الجدد: القضاة الذين يعيشون ضغوطًا كبيرة، وأحيانًا يجدون أنفسهم في دائرة الاتهام سواء بتعاطفهم أو بسبب التساهل مع هذه الملفات الثقيلة. ورغم أنهم يتعرضون لكثير من الانتقادات، فإنهم في الواقع يسيرون على حبل مشدود بين التوجيهات السياسية وبين الضغوط الاجتماعية. وفي نفس الوقت، فإن المسارات القانونية، بالرغم من المحاولات المتكررة لإعاقتها، تبقى هي الأمل الوحيد لتحقيق العدالة بعيدًا عن التدخلات أو التأثيرات التي قد تفرغ هذا المسار من محتواه.
لكن تبقى المعضلة الكبرى: هل سنستمر في رؤية هؤلاء الفاسدين وكأنهم ضحايا لمؤامرات خارجية؟ وهل سيظل المجتمع في حالة من التذبذب بين إظهار التعاطف مع هؤلاء الذين تبينت أفعالهم الخاطئة وبين المضي قدمًا نحو العدالة الحقيقية التي تحاسب الجميع دون استثناء؟ الحقيقة المؤلمة هي أن هذا السؤال يتكرر على لسان الكثيرين، لكن الإجابة عليه لا تزال عائمة بين مقاعد البرلمان وبين زنزنات عكاشة.
في النهاية، تبقى قلوب المغاربة معلقة بين الشعور بالخذلان والآمال في أن تظل المساطر القانونية تسير على نحو طبيعي، دون تحامل أو تعاطف مع أي طرف. ولكن هل سيبقى لدينا الشجاعة الكافية لمواجهة الحقيقة كاملة؟ هذا ما سنعرفه في الأيام القادمة، عندما يتحقق مفهوم العدالة، أو عندما نكتشف أن كل شيء كان مجرد تمثيلية محكمة الإخراج!