
الظلم والحكرة في المغرب: واقع مرير وأسئلة معلقة
دابا ماروك
في قلب الشارع المغربي، وبين أزقة المدن والقرى، يتجذر شعور عميق من الإحساس بالظلم والحكرة. هذا الشعور لا يتوقف عند الأفراد الذين يعانون من ضيق الحال أو قسوة الأوضاع الاقتصادية، بل يلامس أحيانًا حتى أولئك الذين في مناصب لا تُحسد عليها. وفي الوقت الذي يزداد فيه هذا الشعور بشكل غير مسبوق، يظل أحد أصعب التحديات التي يواجهها الشعب المغربي هو أن الظلم ليس محصورًا في الأفعال القمعية فقط، بل يمتد ليشمل مختلف المجالات الحياتية في المجتمع.
الظلم والحكرة: شعور عميق ومتشعب
لا يمكن الحديث عن “الظلم” و”الحكرة” في المغرب دون ربطهما بالتاريخ الطويل من الاستبداد والتهميش، الذي لازال يعاني منه المواطن البسيط إلى يومنا هذا. قد تكون “الحكرة” الكلمة الأكثر تعبيرًا عن هذا الشعور المرهق الذي يعيشه المواطن، وهو الإحساس بالاحتقار والإهانة، خاصة عندما يكون الشخص ضحية لقرار تعسفي أو سياسة غير عادلة.
الحكرة هي ببساطة، تلك اللحظة التي يشعر فيها الفرد أنه مُستَهدف لمجرد كونه جزءًا من طبقة اجتماعية معينة، أو لأن سلطته ليست كافية لتحدي النظام القائم. يتضح ذلك في طريقة تعامل بعض المسؤولين مع المواطنين العاديين، الذين لا يملكون صوتًا مسموعًا في دوائر صنع القرار. إن هذا الشعور بالحكرة يتغذى من التجارب اليومية للمغاربة مع الفساد المستشري، والبطء القاتل في إجراءات العدالة، والتمييز بين الطبقات.
الظالمون ومن يساندهم: “أبشع من الظالمين“
وإذا كان الظلم قد يكون واضحًا وملموسًا في مواقف محددة، إلا أن المؤلم حقًا هو الدور الذي يلعبه المحسوبون على النظام الرسمي. هؤلاء الذين يُفترض بهم أن يكونوا أدوات تنفيذ العدالة، أو على الأقل من الحُماة للحقوق، يصبحون في العديد من الحالات جزءًا من المشكلة، بل وأحيانًا أكثر قسوة من الظالمين أنفسهم.
المسؤولون الذين يسكتون عن الفساد أو يتواطؤون مع الجناة، يتحولون إلى طرف في عملية تكريس الظلم. وهؤلاء لا يقتصر دورهم على السكوت، بل يتجاوز ذلك إلى التحريض والتغطية على الممارسات القمعية التي تمارس ضد المواطنين. هذا يجعل منهم شركاء في الظلم، وتساهم أفعالهم في تعميق الشعور بالحكرة.
“أبشع من الظالمين” هو تعبير يستخدمه الكثير من المغاربة لوصف هؤلاء الذين يؤيدون الظلم ويساعدون في استمراره. فهم لا يتورعون عن استخدام نفوذهم أو سلطتهم لتحقيق مصالح خاصة، حتى وإن كانت على حساب حقوق الناس. لقد أثبتت التجارب على مدار السنين أن بعض الشخصيات الرسمية، التي يبدو أنها تعمل في خدمة المصلحة العامة، هي في الواقع جزء من شبكة تستفيد من استمرار الاستغلال.
الظلم في الحياة اليومية: من البطالة إلى التعسف الإداري
ليس الظلم فقط في السياسة أو في قضايا الحقوق المدنية، بل يمتد ليشمل جميع أوجه الحياة اليومية. من البطالة التي تؤرق الشباب المغربي، إلى التمييز بين الجهات والطبقات الاجتماعية، إلى غياب فرص التعليم العادل لجميع الفئات، يعتبر المواطن المغربي نفسه دائمًا في صراع مع نظام لا يحترم كرامته.
عند الحديث عن “البطالة”، على سبيل المثال، يُلاحظ أن الوظائف في القطاع العام أو الخاص غالبًا ما تكون متاحة لأولئك الذين لديهم “واسطة”، أو من خلال الانتماء إلى طبقات اجتماعية أو عائلات معينة. أما المواطن العادي، فلا يملك من حظه سوى الفقر والانتظار. هذا التمييز يعزز الإحساس بالظلم ويعمي الأمل لدى العديد من الشباب الذين يرون أن آمالهم محطمة بسبب هذه اللامساواة.
وبالإضافة إلى ذلك، يعيش المغاربة يوميًا مع واقع “التعسف الإداري” الذي يمنحهم شعورًا دائمًا بأنهم مجرد أرقام في سجلات حكومية. ذلك التعسف الذي يشمل التأخير في المعاملات، والتقاعس في تقديم الخدمات العامة، وغياب الشفافية في تعيينات الموظفين. هؤلاء الموظفون الذين يعتقدون أن منحهم السلطة على المواطنين يعطيهم الحق في معاملتهم كأنهم عبيدٌ لا قيمة لهم.
العدالة المفقودة: أفق مسدود أم أمل في التغيير؟
من بين أكبر التحديات التي يعاني منها المواطن المغربي هو غياب العدالة في ممارسات النظام القضائي. تُنتهك الحقوق الأساسية للأفراد بشكل متكرر، سواء كانت حقوقًا شخصية أو اقتصادية. وفي العديد من الأحيان، نجد أن القضايا التي يرفعها المواطنون ضد كبار المسؤولين أو الفاسدين لا تجد طريقها إلى المحكمة، بل يُفضل إغلاقها أو تأجيلها، وهو ما يعزز شعور المواطنين بأنهم مجرد “مواطنين من الدرجة الثانية”.
وفي هذا الإطار، قد يعتقد البعض أن القضاء المغربي قد أصبح أداة في يد النخبة الحاكمة، يحركه من يملك المال والسلطة. وعلى الرغم من وجود بعض الجهود لتحسين الوضع، إلا أن الفساد في القضاء يستمر في تعميق الهوة بين الطبقات الاجتماعية ويزيد من حدة الشعور بالحكرة.