
حين يمرض الأثرياء: هل تنكسر فجوة المعاناة بين القصور والأحياء الفقيرة؟
دابا ماروك
استهلال:
في عالم يزداد فيه التفاوت بين الأغنياء والفقراء، تبرز الأسئلة حول مدى قدرة التجارب الإنسانية المشتركة على تجاوز الفوارق الاجتماعية. وبينما يقال إن شهر رمضان يهدف إلى جعل الأثرياء يشعرون بجوع الفقراء، يُطرح سؤال آخر أكثر تعقيدًا: هل حين يمرض الأثرياء، الذين ينعمون بثروات تغطي حياة بذخ أجيالهم القادمة، يشعرون بمعاناة الفقراء والمحتاجين؟
من هذا التساؤل تنطلق رحلة تأمل في معاني المرض، الفقر، والتعاطف الإنساني، لتحليل ما إذا كانت هذه التجارب قادرة على تحطيم الحواجز الطبقية وتعزيز قيم الإنسانية المشتركة.
- الفوارق في المعاناة بين الأغنياء والفقراء
عندما يمرض الأثرياء، قد تختلف تجربتهم بشكل كبير عن تجربة الفقراء، ليس فقط من حيث نوعية العلاج المتوفر ولكن أيضًا من حيث البيئة المحيطة بهم أثناء المرض.
- الأثرياء: يمكنهم الوصول إلى أفضل المصحات الخاصة، الاستعانة بأحدث التقنيات الطبية، وحتى تلقي العلاج في الخارج إذا لزم الأمر. كما يحيط بهم طاقم طبي متخصص يُعنى بأدق تفاصيل راحتهم.
- الفقراء: قد يجدون أنفسهم في طوابير طويلة في المستشفيات العامة، حيث تكون الموارد الطبية محدودة، مما يزيد من شعورهم بالعجز واليأس.
هنا يكمن الفرق الجوهري: المرض بالنسبة للأثرياء تجربة فردية غالبًا ما تكون محاطة بالراحة النسبية، بينما يمثل للفقراء تجربة جماعية تمس أسرهم التي تتحمل العبء النفسي والمادي الناتج عنه.
- المرض كمعادل إنساني للتجربة البشرية
رغم الاختلافات المادية والاجتماعية، المرض يظل تجربة إنسانية عالمية تعيد للإنسان إدراك ضعفه وفنائه.
- بالنسبة للأثرياء، المرض قد يكون فرصة للتأمل في هشاشة الحياة رغم كل مظاهر القوة والغنى.
- لكن السؤال هنا: هل يكفي الألم الجسدي أو النفسي الناتج عن المرض لجعل الأثرياء يفهمون عمق معاناة الفقراء الذين قد لا يستطيعون حتى الوصول إلى دواء بسيط؟
- المرض والقدرة على الإحساس بالآخر
يُقال إن “الإنسان لا يعرف قيمة الصحة إلا عندما يمرض”. لكن المرض وحده لا يكفي لجعل الشخص يُحس بمعاناة الآخر، ما لم يكن لديه حساسية إنسانية وتعاطف أصيل.
- الفجوة في الفهم: تجربة المرض تختلف بين من يملك المال الكافي لتخفيف الألم ومن يفتقر حتى لأبسط الوسائل لتلقي العلاج. وهذا الاختلاف قد يجعل من الصعب على الأثرياء أن يدركوا حقيقة الألم المرتبط بالفقر.
- التعاطف المشروط: قد يشعر بعض الأثرياء بالتعاطف مع المحتاجين أثناء مرضهم، لكن هذا الشعور غالبًا ما يكون مؤقتًا، يعود بعدها الأثرياء إلى حياتهم المترفة دون إدخال تغييرات جوهرية في أنماط حياتهم أو مساهماتهم في تخفيف معاناة الآخرين.
- المرض كفرصة للتغيير الشخصي والاجتماعي
إذا كان الهدف من الصيام هو أن يشعر الأغنياء بجوع الفقراء، فإن المرض يمكن أن يكون دعوة للأثرياء لفهم معاناة أولئك الذين يعيشون يوميًا في ظروف غير إنسانية بسبب نقص الموارد الصحية.
- إمكانات التحول: بعض الأثرياء، عندما يمرون بتجربة مرضية قاسية، يتحولون إلى داعمين لقضايا الفقراء، إما بإنشاء مؤسسات خيرية أو تمويل مراكز صحية.
- الفرق بين التجربة والفعل: ليست كل تجربة مرضية تقود إلى تغيير جذري. في كثير من الأحيان، يكون التحول مرهونًا بالبيئة الثقافية والقيم الأخلاقية التي يحملها الشخص.
- المسؤولية الاجتماعية للأثرياء
ربما يكمن أحد الحلول في تعزيز فكرة أن الصحة حق للجميع، وليس امتيازًا لمن يستطيع تحمل تكاليفها.
- الأثرياء الذين يمتلكون وسائل لتغيير واقع الصحة العامة يمكنهم الاستثمار في تحسين البنية التحتية الصحية للفقراء، وهو ما يعبر عن حس إنساني ومسؤولية اجتماعية.
- هذه المسؤولية ليست فقط أخلاقية، بل هي ضرورة لاستقرار المجتمعات، لأن الصحة لا تتجزأ، وانتشار الأمراض في الفئات الأقل حظًا قد يؤثر في النهاية على الجميع.
خلاصة:
المرض تجربة قاسية توحد بين البشر في جوهرها، لكنها تكشف أيضًا عن الفجوة العميقة بين الأثرياء والفقراء. إذا كان الصيام يدعو الأغنياء لتجربة جوع الفقراء، فإن المرض يمكن أن يكون فرصة لتجربة معاناتهم بشكل أكثر مباشرة. ولكن يبقى السؤال: هل سيجعل المرض الأثرياء أكثر تعاطفًا، أم أن الفجوة الاجتماعية ستظل حاجزًا يمنعهم من رؤية المعاناة بشكلها الحقيقي؟
الإجابة على هذا السؤال ليست حتمية؛ فهي تعتمد على الاستعداد الشخصي للأثرياء لتجاوز الأنانية الفردية وتحمل مسؤولياتهم تجاه مجتمعهم.