مجتمع

المغرب: من سنوات الرصاص إلى سنوات الغلاء

دابا ماروك

يشهد المغرب تحولات جذرية على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية. ففي حين كانت “سنوات الرصاص” تشير إلى فترة القمع السياسي خلال السبعينات والثمانينات، حيث كانت الدولة المغربية تمارس قمعًا واسعًا ضد الاحتجاجات السياسية والحقوقية بكل الوسائل، فإن التحديات التي يواجهها المغرب اليوم تتجاوز القمع السياسي لتشمل قمعًا اقتصاديًا يطال الفئات الشعبية، مما يمكن تسميته بـ “سنوات الغلاء”. ورغم أن هناك فرقًا بين القمع السياسي والقمع الاقتصادي، إلا أن التشابك بينهما أصبح أمرًا معقدًا ومؤثرًا على المجتمع المغربي.

سنوات الرصاص: القمع السياسي

تعد “سنوات الرصاص” تلك الحقبة الزمنية التي تميزت بالقمع الشديد ضد المعارضين السياسيين والنقابيين، حيث كانت الدولة تستخدم كافة الوسائل لتركيع أي صوت معارض. كانت الحريات العامة شبه معدومة، وأدى هذا القمع إلى تعطيل تطور الفكر النقدي والحرية في البلاد. كما أضرّ بمفهوم العدالة وحقوق الإنسان، وأسهم في خلق جو من الخوف والترهيب، حيث كان يتم سحق أي حركة احتجاجية أو رأي مخالف.

“ورغم أن “سنوات الرصاص” انتهت مع بداية التسعينات بعد سلسلة من التحولات السياسية، والتي عرفت فيها البلاد موجة من الاعتقالات التعسفية والتعذيب الذي تعرض له أبناء الشعب، بدأ المغرب يدخل في السنوات الأخيرة مرحلة جديدة أقل وضوحًا وأكثر تعقيدًا، يمكن تسميتها بـ “سنوات الغلاء”. هذه المرحلة، رغم أنها تختلف عن سابقاتها من حيث السياق السياسي، إلا أنها تحمل في طياتها تحديات اجتماعية واقتصادية عميقة تركت أثرها الواضح على حياة المواطنين اليومية.

سنوات الغلاء: القمع الاقتصادي

تعد “سنوات الغلاء” مرحلة شهدت ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار، مما أثقل كاهل الطبقات الشعبية بشكل خاص. هذا الغلاء ليس مجرد زيادة في الأسعار بل هو جزء من قمع اقتصادي يتجسد في السياسات الحكومية التي تؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين. في حين كانت الدولة تستخدم القمع السياسي في الماضي للحد من الحريات السياسية والفكرية، فإنها اليوم تلجأ إلى “القمع الاقتصادي” عبر فرض السياسات التي تزيد من التضييق على الفئات الأكثر هشاشة. وقد نتج عن ذلك تدهور مستوى المعيشة وتزايد الفقر، مما جعل العديد من المواطنين عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية.

الفرق بين القمع السياسي والاقتصادي

رغم أن القمعين السياسي والاقتصادي قد يبدوان مختلفين في الشكل، إلا أن كليهما يتشابهان في النتيجة: فرض السيطرة على المواطنين وتقليص فرصهم في التعبير عن أنفسهم.

  • القمع السياسي: يهدف إلى السيطرة على الفكر والرأي العام من خلال ممارسات مثل الاعتقال التعسفي، التعذيب، وتقييد الحريات السياسية. يُستخدم هذا النوع من القمع لإضعاف المعارضين وإضعاف تأثيرهم في المجتمع، ويهدف إلى منع أي نوع من المقاومة السياسية.
  • القمع الاقتصادي: يتمثل في السياسات الاقتصادية التي تؤدي إلى زيادة الأسعار وتفاقم الأوضاع المعيشية للطبقات الفقيرة، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال والتهميش. هذا النوع من القمع يعمل على تقليل فرص التنمية الشخصية ويسهم في تعزيز التفاوت الاجتماعي وينجب إحساسا لا يخدم مصلحة أي كان.

التحولات المستقبلية: بين سنوات الرصاص وسنوات الغلاء

بينما كانت “سنوات الرصاص” تمثل القمع السياسي، فإن “سنوات الغلاء” تشير إلى القمع الاقتصادي الذي يطال اليوم أكثر من أي وقت مضى الطبقات الفقيرة والمتوسطة. لذلك، يجب على الدولة إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية واتباع نهج أكثر إنصافًا يشمل تحسين مستوى المعيشة والحد من الفقر. كما يجب التركيز على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية من خلال السياسات التي تعزز من حقوق الإنسان وتحارب التفاوت الطبقي.

خاتمة

في النهاية، يتعين على الحكومة المغربية مراجعة سياساتها الاقتصادية والاجتماعية واتخاذ خطوات ملموسة لتخفيف العبء عن المواطنين. فالتاريخ لا يجب أن يكرر نفسه بأشكال مختلفة، إذ أن الانتقال من سنوات الرصاص إلى سنوات الغلاء يجب أن يكون مرحلة انتقالية نحو تحقيق السلم الاجتماعي. هذا التحول ينبغي أن يكون مصحوبًا بتغييرات حقيقية في سياسات العدالة الاجتماعية والاقتصادية، بما يضمن لجميع المواطنين فرصًا متساوية للعيش الكريم والحرية، بعيدًا عن أي شكل من أشكال القمع أو التهميش.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى