
ثقافة الإلغاء: سلاح ذو حدين في المجتمع المغربي
دابا ماروك
أصبحت “ثقافة الإلغاء” أو ما يعرف بـ “Cancel Culture” ظاهرة متفشية على مستوى العالم، ووجدت لها مكانًا خاصًا في المشهد الاجتماعي المغربي. في عصر الرقمنة وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي، بات من السهل إلغاء أشخاص أو مؤسسات بمجرد حملة إلكترونية تستهدفهم بسبب موقف أو رأي قد لا يروق للبعض. لكن هذه الظاهرة، التي قد تبدو للبعض وسيلة لإحقاق العدل، تحمل في طياتها العديد من التساؤلات حول تأثيرها على حرية التعبير والنقاش المفتوح.
“ثقافة الإلغاء”: أداة تصفية أم محاسبة؟
في ظاهر الأمر، تهدف ثقافة الإلغاء إلى محاسبة الأفراد أو الكيانات التي ترتكب أفعالاً تُعتبر مسيئة أو غير أخلاقية. لكن في العمق، كثيرًا ما تُستخدم هذه الثقافة كأداة لتصفية الحسابات الشخصية أو الاجتماعية. فبعض الأفراد الذين يفتقرون إلى الحجة أو القدرة على النقاش يلجؤون إلى هذه الوسيلة للنيل من المتفوقين عليهم أو من يعارضونهم، مستعرضين عضلات اجتماعية أو فكرية هشة.
من جهة أخرى، هناك من يرى أن هذه الظاهرة تمنح صوتًا للفئات التي كانت مهمشة في الماضي، مما يجعلها وسيلة لتحقيق نوع من التوازن في القوة المجتمعية. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو كيفية التمييز بين المحاسبة المشروعة والتشهير الظالم.
تأثير ثقافة الإلغاء على النقاش المفتوح
“ثقافة الإلغاء” لا تترك مجالًا للنقاش، بل تفرض على الأفراد الصمت خوفًا من أن يصبحوا الهدف التالي. وهذا يشكل تهديدًا لحرية التعبير، حيث بات الكثيرون يتجنبون التعبير عن آرائهم الصادقة خوفًا من التعرض لحملات الإلغاء.
وفي المغرب، حيث ترتبط بعض القضايا بحساسيات دينية وثقافية، يصبح التعبير عن الآراء المختلف عليها محفوفًا بالمخاطر. هذا الأمر يجعل المجتمع ينزلق نحو حالة من الرقابة الذاتية المبالغ فيها، ما يعيق تطور الحوار الفكري والنقد البناء.
فشل “العضلات الهشة” في مواجهة التفوق
من أبرز جوانب ثقافة الإلغاء في المغرب هو استخدامها من قبل أفراد أو جماعات غير قادرة على مجاراة النجاح أو التفوق الحقيقي. هؤلاء يستهدفون الشخصيات المؤثرة أو الناجحة في محاولة للنيل منهم وتشويه سمعتهم، دون النظر إلى الجهود الحقيقية التي بذلوها. وكأنهم يقولون: “إذا لم أتمكن من الوصول إلى مستواك، سأحاول أن أُسقطك إلى مستواي”.
لكن ما يغيب عن أذهان هؤلاء هو أن النجاح الحقيقي لا يمكن إلغاؤه بسهولة. فالأشخاص المتفوقون يتميزون بقدرتهم على تجاوز هذه الهجمات وإثبات قيمتهم من خلال أفعالهم ونجاحاتهم.
كيف نواجه ثقافة الإلغاء؟
لمواجهة هذه الظاهرة، نحتاج إلى:
- تعزيز النقاش المفتوح: يجب أن نتعلم كيف نتقبل الآراء المختلفة ونناقشها بحجج منطقية بدلًا من اللجوء إلى الإلغاء.
- تطوير وعي مجتمعي: يجب أن يفهم المجتمع أن “ثقافة الإلغاء” ليست دائمًا عادلة، وأنها قد تُستخدم كسلاح ضد الأبرياء.
- دعم حرية التعبير: تشجيع الأفراد على التعبير عن آرائهم دون خوف من الهجوم أو التشهير.
- التركيز على الإنجازات الحقيقية: يجب أن نتعلم تقدير النجاح والتفوق بدلًا من محاولة إسقاط الآخرين.
في الختام
“ثقافة الإلغاء” سلاح ذو حدين: قد تكون وسيلة لتصحيح الأخطاء، لكنها قد تتحول بسهولة إلى أداة للهدم والتشويه. وبينما نعيش في عصر تتزايد فيه الأصوات والمواقف المتناقضة، يبقى من الضروري أن نبحث عن طرق لبناء حوار صحي يوازن بين الحرية والمساءلة. فهل نحن مستعدون للتخلي عن عضلاتنا الهشة والاعتراف بأن قوة الحجة تتفوق دائمًا على صخب الإلغاء؟