مجتمع

المدارس الخاصة بالمغرب: التعليم كسلة نخبوية

دابا ماروك

على مدى العقود الأخيرة، شهد المغرب تزايدًا ملحوظًا في الإقبال على التعليم الخاص، حيث أصبحت المدارس الخاصة جزءًا رئيسيًا من منظومة التعليم بالمملكة. هذه الظاهرة تحمل بين طياتها العديد من التحديات، وتعكس في الوقت ذاته التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع المغربي. بيد أن هذا التوجه المتزايد نحو الخصخصة في التعليم يُثير تساؤلات جوهرية حول العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، ومآل التعليم العمومي الذي كان يومًا العمود الفقري للمنظومة التعليمية.

  1. نمو التعليم الخاص في المغرب: أسباب وتوجهات

على الرغم من أن التعليم العمومي كان يُعتبر الخيار الرئيسي في الماضي، إلا أن المدارس الخاصة شهدت طفرة كبيرة منذ تسعينيات القرن الماضي. هذا النمو يمكن تفسيره بعدة عوامل:

  • تراجع جودة التعليم العمومي: مشاكل الاكتظاظ، نقص الموارد، وتدهور البنية التحتية في المدارس العمومية دفعت العديد من الأسر إلى البحث عن بدائل تقدم تعليماً أفضل.
  • الوعي المتزايد بأهمية التعليم الجيد: في ظل العولمة والتنافسية الاقتصادية، أصبحت الأسر المغربية تعتبر التعليم استثمارًا ضروريًا لمستقبل أبنائها، مما جعلها تميل إلى التعليم الخاص كخيار “أفضل”.
  • انفتاح الاقتصاد: تبنّي المغرب لسياسات السوق المفتوح أدّى إلى تشجيع الاستثمار في قطاعات التعليم الخاص من قبل شركات محلية وأجنبية وأشخاص ذاتيين.
  • الطبقية في التعليم: ظهور طبقة متوسطة تسعى للابتعاد عن نموذج التعليم العمومي الذي يُنظر إليه أحيانًا على أنه مخصص للطبقات الدنيا.
  1. التعليم الخاص والطبقية: “سلة نخبوية”؟

أدى انتشار التعليم الخاص إلى خلق نوع من “الطبقية التعليمية” التي تفصل بين فئات المجتمع. حيث أصبحت المدارس الخاصة رمزًا للوجاهة الاجتماعية ومقياسًا لمكانة الأسر، فيما بات التعليم العمومي يعاني من صورة نمطية سلبية.

أثر الطبقية التعليمية                      

  • فجوة في الفرص: يتمتع تلاميذ التعليم الخاص بفرص أكبر للنجاح في الامتحانات الوطنية والدخول إلى المدارس العليا والجامعات الدولية، بسبب الجودة العالية التي توفرها هذه المدارس مقارنة بالتعليم العمومي.
  • التكلفة الباهظة: رسوم التسجيل والدراسة التي تفرضها المدارس الخاصة أصبحت عبئًا ثقيلًا على الأسر، مما يزيد من الهوة بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
  • محدودية التنوع الاجتماعي: المدارس الخاصة تجمع في الغالب أبناء الطبقات  المتوسطة والميسورة، مما يعزز من العزلة الاجتماعية والاقتصادية بين التلاميذ.
  1. التعليم الخاص: فرصة أم تهديد؟

فرصة للتقدم

  • التعليم الخاص يُقدَّم كمحرك للتطوير في ظل العجز الذي يعاني منه القطاع العمومي.
  • وجود مناهج متعددة (البكالوريا الدولية، الفرنسية، أو الأمريكية) يوفر تنوعًا يُمكّن الطلبة من مواكبة العصر والتنافس في سوق العمل.

تهديد لمنظومة العدالة التعليمية

  • إضعاف التعليم العمومي: تركيز الأسر والموارد على التعليم الخاص أدى إلى تهميش التعليم العمومي، مما زاد من أزماته.
  • تعميق الفوارق: بدلًا من أن يكون التعليم أداة لتقليص الفجوات الاجتماعية، أصبح وسيلة لتعزيزها.
  1. التعليم العمومي في مواجهة التحدي

يبقى السؤال الجوهري: هل يمكن إعادة بناء ثقة الأسر في التعليم العمومي؟
الحكومة المغربية حاولت تقديم مبادرات لإصلاح التعليم العمومي، مثل “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” و”الرؤية الاستراتيجية 2015-2030″، لكن النتائج كانت بطيئة وغير كافية.

التحديات الأساسية

  • الاكتظاظ في الفصول الدراسية: أعداد التلاميذ في الفصل الواحد تصل أحيانًا إلى 50 تلميذا.
  • نقص الموارد البشرية: ضعف التكوين لغالبية الأساتذة ونقص في الكوادر المؤهلة يؤثر سلبًا على جودة التعليم.
  • غياب البنية التحتية: مدارس عمومية تفتقر إلى التجهيزات الأساسية، خصوصًا في المناطق القروية.

إمكانيات الإصلاح

  • تأهيل الأساتذة: تحسين تكوين الأساتذة وزيادة أجورهم لرفع مستوى التعليم العمومي.
  • تمويل مستدام: زيادة مخصصات التعليم العمومي في الميزانية الوطنية لتعزيز البنية التحتية والموارد.
  • إعادة الثقة: خلق شراكة بين الدولة والمجتمع المدني لإعادة بناء الثقة في المدرسة العمومية.
  1. نظرة مستقبلية: هل التعليم الخاص جزء من الحل؟

من الصعب إنكار أن التعليم الخاص أصبح واقعًا أساسيًا في المغرب، لكنه يحتاج إلى تأطير وتنظيم لضمان أن يبقى ضمن منظومة تُراعي تكافؤ الفرص. مثلاً:

  • تشجيع التعليم الخاص ذو التكلفة المنخفضة: فتح المجال لإنشاء مدارس خاصة تقدم جودة تعليمية جيدة بأسعار معقولة لتوسيع دائرة المستفيدين.
  • ضبط الأسعار: وضع قوانين تراقب أسعار المدارس الخاصة لمنع استغلال الأسر.
  • تكامل بين القطاعين: تشجيع شراكات بين التعليم العمومي والخاص لرفع مستوى التعليم ككل.
  1. التعليم الخاص قائم على أساتذة التعليم العمومي

لا يمكن الحديث عن التعليم الخاص في المغرب دون الإشارة إلى العلاقة الوثيقة التي تربطه بأساتذة التعليم العمومي. على الرغم من تفوق التعليم الخاص في تقديم بنية تحتية حديثة وبرامج متنوعة، إلا أن العنصر البشري، المتمثل في أساتذة التعليم العمومي، يظل العمود الفقري الذي يعتمد عليه هذا القطاع بشكل كبير.

أساتذة التعليم العمومي: عصب التعليم الخاص

  • اللجوء إلى خبرة أساتذة العمومي: المدارس الخاصة تعتمد بشكل واسع على أساتذة التعليم العمومي الذين يُوظَّفون بعقود جزئية أو في إطار الساعات الإضافية. هؤلاء الأساتذة يجلبون خبراتهم الطويلة من التدريس العمومي إلى القطاع الخاص، مما يضمن جودة التعليم.
  • مضاعفة الأعباء: في كثير من الأحيان، يعمل أساتذة العمومي في القطاع الخاص لتغطية احتياجاتهم المالية بسبب ضعف الأجور في القطاع العمومي. هذا يؤدي إلى إرهاقهم جسديًا وذهنيًا، مما قد يؤثر على أدائهم في وظائفهم الأصلية.
  • غياب التوازن: رغم أن التعليم الخاص يعتمد بشكل كبير على أساتذة العمومي، إلا أن الفجوة في الأجور والامتيازات بين الأساتذة العاملين في القطاعين تُثير تساؤلات حول العدالة المهنية.

ماذا لو غاب أساتذة العمومي؟

  • لو قرر أساتذة التعليم العمومي التوقف عن العمل في المدارس الخاصة، فإن هذا القطاع سيواجه أزمة خانقة، إذ يُعتبر هؤلاء الأساتذة ركيزة أساسية تعوض النقص الكبير في الموارد البشرية المؤهلة لدى القطاع الخاص.
  • المدارس الخاصة، خاصة الصغيرة والمتوسطة منها، قد تجد نفسها عاجزة عن تعيين كفاءات جديدة أو الحفاظ على مستوى جودة التعليم الذي تُسوقه للأسر.

ضرورة تقنين العمل المزدوج

  • تحتاج هذه الظاهرة إلى تدخل قانوني يُنظم ساعات العمل الإضافي لأساتذة العمومي في القطاع الخاص، بما يحافظ على حقوقهم ولا يؤثر على جودة التعليم العمومي.
  • كما يمكن تشجيع برامج تعاون رسمية بين القطاعين بدلًا من الاعتماد العشوائي على جهود الأساتذة.

خاتمة

التعليم الخاص في المغرب يمثل تحديًا مزدوجًا، إذ يعكس طموح الأسر في توفير مستقبل أفضل لأبنائها، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن عمق الفوارق الاجتماعية. وفي هذا السياق، يبقى أساتذة التعليم العمومي المحرك الأساسي الذي يُبقي قلب التعليم الخاص نابضًا. يعتمد التعليم الخاص بشكل كبير على خبراتهم وجهودهم، مما يُبرز أن أي نقاش حول تحسين التعليم في المغرب لا يمكن أن يتجاهل تحسين وضعية هؤلاء الأساتذة، سواء داخل القطاع العمومي أو عند تعاملهم مع القطاع الخاص.

إصلاح المنظومة التعليمية لا يمكن أن ينجح بدون ضمان تكامل عادل بين القطاعين العمومي والخاص. فالتعليم، في نهاية المطاف، ليس مجرد خدمة، بل حق أساسي يجب أن يكون متاحًا للجميع دون تمييز أو إقصاء، مع احترام الكفاءات التي تجعل هذا الحق ممكنًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى