مجتمع

الشيوخ والمقدمون: حطب النار أم محركوها؟ لعبة السلطة على حساب الفقراء

دابا ماروك

في المشهد المغربي، يتربع جهاز أعوان السلطة، المتمثل في الشيوخ والمقدمين، على عرش شبكة تنظيمية معقدة تجمع بين القرب الاجتماعي من المواطن وبين مركزية الولاء للسلطة. هذه الفئة، التي كثيرًا ما تكون محور الحديث في المجالس الشعبية وأحاديث المقاهي، تتحول في أحيان كثيرة إلى موضوع للنقد الحاد أو المزاح اللاذع. فهل هم مجرد أدوات في يد السلطة، أم أنهم فاعلون أساسيون يحركون خيوط اللعبة الاجتماعية والسياسية؟

دور أعوان السلطة بين الرقابة والخدمة

يتجلى دور الشيوخ والمقدمين في جمع المعلومات، وتتبع الأنشطة المحلية، وإبلاغ السلطات المركزية بكل ما يدور في الأحياء والمناطق التي يشرفون عليها. على الورق، يُفترض أن يكون دورهم خدمة المواطن وتسهيل الوصول إلى الإدارة، غير أن الواقع غالبًا ما يعكس صورة مختلفة، حيث تتحول هذه المهام إلى أداة رقابة وتحكم تهدف إلى تعزيز سلطة الدولة أكثر من حماية حقوق الأفراد.

بين الرقابة والخدمة: خط رفيع لا يحتمل الزلل

من الناحية النظرية، يتلخص دور أعوان السلطة في توفير المعلومات، مراقبة الأنشطة المحلية، وتيسير وصول المواطنين إلى الخدمات الإدارية. ولكن، كما هو الحال في كل ما هو “نظري”، الواقع يسير في اتجاه آخر تمامًا. فالرقابة غالبًا ما تطغى على الخدمة، لتتحول العلاقة بين العون والمواطن إلى علاقة “مشرف ومُراقَب”، حيث تُطمس الحدود بين الحفاظ على الأمن وتعدي الخصوصية.

“رجال الميدان”: بين السلطة والمواطن

في الأحياء الشعبية والمناطق القروية، يمثل أعوان السلطة الوجه الأول للحكومة. يطرقون الأبواب دون استئذان أحيانًا، ويستفسرون عن الغائب قبل الحاضر، ما يضعهم في مواجهة مباشرة مع سكان يعتبرونهم رمزًا للسلطة المركزية. لكن هذه المواجهة لا تخلو من طرافة: ففي أحد الأحياء، يُقال إن مقدمًا أصر على حضور “عقيقة” فقط ليُتأكد من أن الذبيحة ذُبحت بالحلال، بينما آخر اشتهر بلقب “مفتش الأحلام” لفضوله في تفسير ما يرويه له الناس.

الحطب الذي يغذي نار الفقر                          

في واقع مغربي يتسم بانتشار الفقر والهشاشة الاجتماعية، يُنظر إلى أعوان السلطة باعتبارهم جزءًا من النظام الذي يكرس التفاوتات. إذ غالبًا ما يُتهمون بممارسة الضغوط على الطبقات الفقيرة، سواء من خلال طلب الولاءات السياسية أو تسهيل بعض “الامتيازات” لمن يقدم لهم الخدمات الشخصية. وهنا تظهر اللعبة الخطيرة التي تتحرك على خيوطها هذه الفئة: لعبة قائمة على استغلال هشاشة الفقراء لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية.

أعوان السلطة بين أصناف متباينة ومسؤوليات ملقاة على عاتقهم

الشيوخ والمقدمون يختلفون عن بعضهم البعض بشكل واضح، فمنهم من انخرط في المهنة بدافع تحقيق مكاسب شخصية تتجاوز مجرد الراتب الشهري، حيث يتسم بالجشع ويبحث عن شتى الطرق لجمع الأموال بشتى الوسائل. ومنهم من يتميز بالنزاهة والتواضع، لدرجة أنه يخجل حتى من قبول قهوة على حساب الغير. هذه المهنة تجمع أصنافاً متعددة، كل منهم يعكس نموذجاً مختلفاً في تعامله.
على صعيد آخر، عندما يتعلق الأمر بالقضايا المشبوهة التي تُثار ضد رجال السلطات المحلية، غالباً ما يُلقى باللوم على أعوان السلطة، الذين يصبحون “شماعة” تُعلّق عليها مختلف التجاوزات، ما يجعلهم في مواجهة مباشرة مع المجتمع دون أن تكون لهم الكلمة الكاملة في صنع القرار.

بين المطرقة والسندان: لعبة الفقر والهشاشة

في مجتمع يئن تحت وطأة الفقر والتفاوت الاجتماعي، يجد أعوان السلطة أنفسهم يلعبون دورًا حساسًا. يُتهم البعض باستغلال حاجة الفقراء، سواء بطلب الولاء السياسي أو تقديم امتيازات مقابل “خدمات شخصية”. هذه اللعبة الخطيرة تجعلهم جزءًا من منظومة أكبر، حيث تتداخل السياسة مع المصلحة الشخصية، والسلطة مع الحاجة.

خلاصة: دور مزدوج ومصير معقد

يبقى جهاز أعوان السلطة في المغرب كظاهرة تجمع بين الجدية والهزل، بين الحاجة والإشكال. هم في آن واحد رجال ميدان يُعتمد عليهم وأدوات في يد سلطة أكبر. لكن الأكيد أن علاقتهم بالمواطن تحتاج إلى إعادة تعريف، حتى لا يتحولوا إلى “حطب” يغذي نيران التفاوتات والصراعات الاجتماعية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى