مجتمع

من الحياء إلى الجرأة… هل فقد الكبرياء طريقه؟

دابا ماروك

الحديث عن التحولات الاجتماعية في المغرب هو أشبه بمحاولة شرح وصفة الطاجين دون أن يشتعل الفحم تحت القدر. إنه حديث يحمل بين طياته الكثير من التناقضات والرمزية التي تكشف عن عبثية المجتمع المعاصر بين “ماضٍ يخجل من نفسه” و”حاضر لا يخجل من شيء”.

في زمنٍ لم يكن للمرأة المغربية أن ترفع عينيها لتقابل نظرات الرجال في الطريق، كان الحياء تاجاً، والكبرياء عرشاً لا يمكن التفريط فيه. تغير الزمن، ومعه تبدلت الأحوال؛ أصبحنا اليوم نعيش في مجتمعٍ يرفع شعار الحرية، لكنه أحياناً يخلطها بمعاني أخرى. ليست المشكلة في الحرية بحد ذاتها، بل في الطريقة التي تُمارس بها، حيث تبرز تصرفات تجعلنا نتساءل: هل نحن أمام جرأة جديدة أم أمام استقالة غير معلنة من الكبرياء؟

المرأة المغربية في الأمس: استحياء بحكمة

قديماً، كانت المرأة المغربية تمثل أيقونة الحياء. يكفي أن تظهر في الأفق مجموعة من الرجال حتى يتغير اتجاهها وكأنها سلكت طريقاً يؤدي إلى كنز مدفون. هذا الحياء لم يكن خوفاً أو انعدام ثقة، بل كان تعبيراً عن نوع من الكبرياء المصحوب بفلسفة خاصة: “أنا أستحق أن أكون بعيدة عن مجالكم، لا لأنني ضعيفة، ولكن لأنني فوق مستواكم”. كان ذلك الحياء يملك وزناً اجتماعياً، رمزاً لقوة الشخصية والالتزام بمكانة المرأة في قلب مجتمع يقدس الكرامة.

اليوم: من الحياء إلى الحيرة

قفزة سريعة إلى الحاضر: أصبحت المرأة المغربية، أو لنقل بعضها لكي لا نعمم، أكثر تفاعلاً مع الفضاءات العامة. المقهى الذي كان يوماً ما “محرماً اجتماعياً” للنساء، تحول إلى ملتقى للأفكار والقهوة السوداء… ونحن لسنا ضد هذه الحرية إطلاقاً، بل ندعم كل ما يمنح المرأة حقها في اختيار نمط حياتها. لكن المعضلة تكمن في أن البعض قد يمارس هذه الحرية بطريقة تفتقر إلى الفكرة الواضحة أو الرسالة الواعية التي تعبر عن قيمها الحقيقية.

نجد اليوم نساءً يتجولن على الأرصفة بجرأة تكاد تتحدى قوانين الجاذبية، متجاهلات كل تلك الأعين المسلطة عليهن. وليس المقصود هنا المرور بشكل عادي، بل تلك النظرات الثاقبة التي تكاد تقول: “نعم، أنا هنا، ماذا عنكم؟”. إذا كان المرور من أمام المقهى يوماً ما رمزاً للحياء، فقد تحول اليوم إلى عرض مجاني… ربما بروح استعراضية، وربما بدافع آخر لا نفهمه.

كبرياء للبيع؟

الأمر لا يتوقف عند المرور فقط، بل أحياناً تلك “النظرة” تكاد تكون دعوة مفتوحة للجدل: “مرحباً أيها الجالسون، أرجو أن تلاحظوا أنني هنا”. أهي محاولة لاستعادة مكانة اجتماعية ضائعة؟ أم هو مجرد تعبير عن حب الذات بطريقة تثير التساؤل؟ الأدهى والأمر، أن بعض هؤلاء النساء قد يرددن بغضب إذا ما سألهن أحد عن تصرفهن: “أنت متخلف! نحن في عصر الحرية!”.

يا سيدتي، الحرية لا تعني أن تُفقد الكبرياء في الزحمة. الحرية في الأساس هي أن تفعلي ما تريدين دون أن تضطري لإثباته لأي أحد. أما إذا كانت “العيون الجالسة على الأرصفة” هدفاً، فذلك يجعلنا نتساءل: هل الكبرياء أصبح موضة قديمة؟

الختام: مزيج من الماضي والحاضر

ربما لا نلوم الزمن على تغييره لمفاهيمنا، لكننا نلوم أنفسنا على فقداننا البوصلة في ما يخص القيم والاعتدال. إذا كانت الحرية تعني الانفتاح، فلماذا تحولت إلى شيء أشبه بالكاريكاتير؟ وإذا كان الكبرياء رمزاً للماضي، فلماذا تخلينا عنه بسهولة؟

المرأة المغربية بين الماضي والحاضر لم تفقد قوتها، لكنها ربما ضلت طريقها أحياناً في ترجمة تلك القوة. وهل يمكننا لومها بالكامل في مجتمع لا زال يراقبها بعيون جالسة؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى