
المغاربة بين فكي كماشة: حينما تبتلعهم الأحلام بينما تُسحق تحت وطأة الواقع القاسي!
دابا ماروك
في عالم مثقل بالتحديات والتناقضات، يعيش العديد من المغاربة في حالة صراع دائم بين أحلامهم التي يسعون لتحقيقها وبين واقع قاسٍ يكاد يلتهمهم. يطاردون آمالهم، لكنهم يُصدمون في كل مرة بجدران غير مرئية تفرضها السياسات الفاشلة، الفساد المستشري، والتفاوتات الطبقية الهائلة.
الأحلام التي تبنيها الأجيال:
الأحلام التي ينسجها المواطن المغربي هي بمثابة المنارة التي تهديهم وسط الظلمات. أحلامهم تبدأ بالأمل في حياة كريمة: منزل آمن، وظيفة مستقرة، تعليم جيد للأطفال، وعلاج مضمون. لكن سرعان ما تتحطم هذه الأحلام أمام واقع مرير لا يعترف إلا بمن يملك القوة أو المال.
الجيل الشاب، الذي يخرج من الجامعات حاملًا شهادة، ولكن بلا فرصة عمل، يرى كيف أن الأحلام التي ناضلوا من أجلها تبتعد عنهم شيئًا فشيئًا. أحلام الثراء السريع التي تراود البعض تتبدد في خضم البطالة والفقر، في حين أن الجهود الفردية تصبح ضربًا من الخيال، حيث يُختطف الأمل بحلول غير عادلة أو حتى مغرية، مثل الهجرة السرية، التي قد تنتهي بالهلاك.
الواقع الذي يُسحق تحته المواطن:
في الطرف الآخر، يقف المواطن أمام واقع قاسٍ يجعله يكافح من أجل البقاء، لا من أجل التقدم. الضرائب المرهقة، غلاء الأسعار، ونظام صحي يعاني من نقص في الإمكانيات والتجهيزات الأساسية. هذا الواقع يزيد من معاناته ويقوده إلى شعور مستمر بالعجز. إذا كان النظام الاقتصادي ينجح في جعل الأغنياء أغنى والفقراء أفقًا أضيق، يصبح الناس بين فكي كماشة لا مفر منها.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني المواطن المغربي من نظام تعليمي هش، يفرّغ آمال الطلاب في كل مرحلة من مراحلهم الجامعية. المدارس العمومية لا تكاد تواكب التطورات الحديثة، والمتمدرسون الذين يلجؤون إلى التعليم الخاص يجدون أنفسهم أمام أسعار لا تطاق، مما يفاقم من الهوة الاجتماعية.
الفساد: أداة قهرية لطمس العدالة الاجتماعية:
ووسط هذه الظروف، يأتي الفساد ليكون العامل الرئيسي في سحق أي فرصة لتحقيق العدالة الاجتماعية. بينما يُترك المواطن البسيط يُصارع من أجل لقمة العيش، يتسلق الفاسدون على أكتافهم ليحصدوا المكاسب الطائلة، في تجارة مشبوهة عبر المناصب والسلطات. الفساد يكمن في تفاصيل الحياة اليومية، من منح الرخص إلى توزيع الوظائف والمشاريع، حتى في أبسط الإجراءات الإدارية. في هذه البيئة، يصبح التقدم قضية تخص طبقة معينة فقط، بينما يبقى الفقراء في أماكنهم، محاصرون بين الفقر والظلم.
أجيال بين جدران عالية:
الأجيال الجديدة تجد نفسها محاصرة بين جدران عالية. تسعى لتحقيق أحلامها، لكن دون إمكانية حقيقية لتجاوز الحواجز الاقتصادية والاجتماعية. يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على عمل لائق، وفي تخطي صعوبة الحصول على قروض أو مساكن أو حتى الحصول على تغطية صحية ملائمة. يرون أنفسهم جزءًا من طبقة مغلقة، لا يمكنهم دخولها بسهولة رغم إمكانياتهم.
الهجرة: هروب من الواقع أم محاولة للحصول على فرص أفضل؟
الهجرة، سواء كانت في شكل هجرة قانونية أو غير قانونية، تُعد واحدة من الخيارات الوحيدة التي يمكن أن تتيح لهؤلاء الشباب فرصة لتحقيق أحلامهم. ولكن حتى هذا الخيار مليء بالمخاطر والضبابية. في الكثير من الحالات، يسلك هؤلاء طريق البحر، مخاطرين بحياتهم في سبيل فرصة ضائعة، ربما لن تأتي أبدًا.
الأمل في التغيير:
ورغم هذا الواقع الكئيب، يظل الأمل هو الدافع الذي لا يفارق المغاربة، ولو كان على سبيل الخيال. ثمة أصوات تطالب بالتغيير، بضرورة استثمار الإمكانيات البشرية والطبيعية بشكل أفضل، وإصلاح النظام السياسي والاقتصادي من جذوره. لكن تلك الأصوات غالبًا ما تصطدم بحائط الفساد السياسي والاقتصادي، حيث يبقى المواطنون عالقين في دائرة مفرغة من الفقر، البطالة، والهجرة.
الختام:
إذاً، بين الأحلام التي تبتلعهم والواقع الذي يسحقهم، يعيش المواطن المغربي في معركة مستمرة من أجل البقاء. إن كان الأمل هو ما يعزز حياتهم اليومية، فإن الواقع المرير الذي يواجهونه يهدد بتقويض هذه الأحلام، تاركًا إياهم في حالة من التيه والانتظار الدائم لحلول قد لا تأتي أبدًا.
الجواب يبقى في أيدي أولئك الذين يتحكمون بمقدرات الوطن: هل سيجدون في أنفسهم الشجاعة لتغيير هذا الواقع؟ أم أن المغاربة سيبقون عالقين بين فكي كماشة، يتحملون ثقل الأمل، بينما يُسحقون تحت وطأة الواقع؟