مجتمع

“إدارة التبسيط”.. رحلة إلى عالم التعقيد الإداري!

دابا ماروك

في مملكة تحلم بإدارة إلكترونية تشبه أفلام الخيال العلمي، جاء المجلس الأعلى للحسابات بتقريره الجديد ليُظهر لنا أن الحلم قد تأخر قليلاً عن موعده… بثلاث سنوات ونصف فقط! نعم، ما زلنا ننتظر نصوصًا تطبيقية لقانون تبسيط المساطر الإدارية. يبدو أن القانون نفسه بحاجة إلى “تبسيط” ليخرج للنور.

فبعد أن دخل القانون حيز التنفيذ منذ زمن بعيد، كان السؤال: هل النصوص التطبيقية في عطلة دائمة؟ أم أنها قررت التقاعد المبكر؟ المجلس نبه إلى تأخرها، خاصة في تحديد المؤشرات التي سنعتمد عليها لتقييم مدى نجاح إداراتنا في تسليم القرارات الإدارية. يبدو أن المؤشر الوحيد الآن هو “الصبر الجميل”.

ومن المفارقات المضحكة المبكية، أن الإدارات لا تزال تطبق مساطر غير قانونية تجاه المرتفقين. فإذا طلبت وثيقة من إدارة، قد تُطالب بتصحيح الإمضاء وكأنك في فيلم تحقيق بوليسي، أو بإحضار عشر نسخ مطابقة للأصل، لأن نسخة واحدة “ما كا تكفيش”. هذا على الرغم من وجود نص صريح يمنع هذا النوع من التعقيدات.

وإذا كنت تعتقد أن الأمور تتوقف هنا، فكر مجددًا! البوابة الإلكترونية “إدارتي”، التي كان من المفترض أن تكون الحَل، أصبحت هي نفسها جزءًا من المشكلة. حيث أظهر تحليل أجري في 2021 أن أكثر من 26% من الطلبات المقدمة عبرها لم تتم معالجتها في الآجال المحددة. يعني إذا كنت قد قدمت طلبًا إلكترونيًا، فقد تحتاج إلى تقديم طلب آخر… للصبر.

لكن النقطة الأكثر إبداعًا في التقرير هي “الربط البيني”. لدينا منصة “جسر” لتبادل البيانات بين الإدارات، ولكن يبدو أن هذا الجسر يعمل فقط على “سير واحد”، حيث لا تستخدمه سوى ستة أنظمة. باقي الإدارات ربما ما زالت تستخدم الحمام الزاجل لتبادل الوثائق.

التقرير ختم بتوصيات تدعو الحكومة إلى “استكمال الإطار القانوني” و”اعتماد إطار استراتيجي شامل”. بمعنى آخر: يجب أن نجعل الأمور أكثر وضوحًا، وإلا فإننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة، حيث التبسيط الإداري يتطلب تعقيدًا إداريًا لتطبيقه!

إذا كان المجلس الأعلى للحسابات قد رسم لنا هذا الواقع الإداري، فلا يسعنا إلا أن نتساءل: هل نحن حقًا بحاجة إلى قانون لتبسيط المساطر، أم إلى قانون لتبسيط قانون تبسيط المساطر؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى