اقتصادمجتمع

تفريخ المقاهي بالمغرب: حاجة اجتماعية أم غطاء لأنشطة خفية؟

دابا ماروك

قد تبدو المقاهي في المغرب، للوهلة الأولى، مجرد أماكن للراحة والاستجمام، لكن نظرة أعمق إلى هذه الظاهرة تكشف عن أسئلة مُحيرة تفرض نفسها. ما الذي يجعل هذه المنشآت تتكاثر بوتيرة لافتة للنظر، حتى باتت أحيانًا تتنافس على نفس الرصيف؟ هل نحن أمام حالة طبيعية تواكب احتياجات اجتماعية متزايدة، أم أن خلف الكواليس تكمن أسباب أخرى تحمل في طياتها أبعادًا اقتصادية واجتماعية وقانونية أكثر تعقيدًا؟

بين الحاجة والمبالغة           

على السطح، يمكن القول إن المقهى في الثقافة المغربية ليس مجرد مكان لتناول القهوة أو الشاي، بل هو فضاء اجتماعي يُتيح للناس الالتقاء والتواصل. ومع ذلك، عندما ننظر إلى العدد الهائل من المقاهي التي تتجاور أحيانًا بشكل يثير الدهشة، نجد أنفسنا نتساءل عن الدوافع الحقيقية وراء هذا الانتشار المفرط. هل نحن أمام استجابة طبيعية لحاجة مجتمعية، أم أن هناك دوافع خفية وراء هذا السلوك الاقتصادي؟

التكاليف والمبالغة في التزيين

إن دخول بعض المقاهي يُشعرك بأنك في معرض للفن أو في فندق خمس نجوم، حيث الديكورات الفاخرة والتجهيزات التي تتجاوز مجرد الضرورة. هنا يبرز سؤال: ما الذي يدفع المستثمرين إلى إنفاق مبالغ ضخمة على تزيين مقهى قد لا يحقق في أفضل الأحوال أرباحًا تغطي هذه النفقات في المدى القريب؟

أحد التفسيرات المحتملة هو الرغبة في جذب طبقة معينة من الزبائن، حيث أصبحت بعض المقاهي رمزًا للمكانة الاجتماعية. ومع ذلك، هذا التفسير وحده لا يبدو كافيًا لتبرير الاستثمار الكبير في هذا القطاع. وهنا تأتي الفرضية الأخرى المتعلقة ب“تبييض الأموال”.

تبييض الأموال: بين الشك واليقين

ليس من السهل إثبات استخدام المقاهي كواجهة لتبييض الأموال، ولكن هناك مؤشرات تدعم هذا الافتراض. تجربة “الكوكوت منيت” بالدار البيضاء، التي هزت الرأي العام في فترة سابقة، مثال حي على كيفية استغلال أنشطة تبدو في ظاهرها بريئة لتحقيق أهداف غير مشروعة. عندما نجد مقهى يكاد يخلو من الزبائن ولكنه يستمر في العمل برفاهية غير مبررة، يحق لنا التساؤل: هل هو استثمار حقيقي أم مجرد غطاء لأنشطة مالية مشبوهة؟

تأثيرات اجتماعية واقتصادية

ظاهرة تفريخ المقاهي لها آثار متعددة. فمن الناحية الاقتصادية، قد تسهم في خلق فرص عمل، لكنها أيضًا قد تعكس هشاشة الاقتصاد إذا كان هذا القطاع هو الخيار الوحيد للكثيرين. أما من الناحية الاجتماعية، فقد تكرس ثقافة الاستهلاك بدل الإنتاج، وتساهم في تغييب الشباب عن التفكير في مشاريع ذات قيمة مضافة حقيقية.

دور الجهات الرقابية

من الضروري أن تلعب السلطات دورًا أكثر فعالية في مراقبة هذا القطاع. ليس الهدف التضييق على المستثمرين، بل ضمان أن تكون الاستثمارات شفافة وتخدم الاقتصاد الوطني بدل أن تصبح أداة لتحريك الأموال غير المشروعة. ينبغي أيضًا تعزيز الوعي لدى المواطنين لدعم المشاريع التي تسهم في التنمية بدل التركيز فقط على استهلاك الخدمات.

خلاصة

إن ظاهرة انتشار المقاهي بالمغرب تحمل في طياتها أبعادًا متشابكة تحتاج إلى معالجة شاملة. وبينما لا يمكن إنكار أهمية المقاهي كجزء من النسيج الثقافي والاجتماعي المغربي، فإن المبالغة في أعدادها وتكاليف إنشائها تثير أسئلة مشروعة حول مدى صحتها كظاهرة اقتصادية. ومع ذلك، يجب أن نؤكد أننا لا نعمم هذا الحكم، فهناك العديد من المقاهي التي تؤدي دورها بشفافية وتخدم أهدافًا اقتصادية واجتماعية نبيلة. لكن تجارب سابقة، مثل قضية “الكوكوت منيت”، تجعل من الضروري التعامل مع هذه الظاهرة بوعي وحيطة، لضمان أن يكون هذا القطاع داعمًا للتنمية بدلاً من أن يكون مجالًا للأنشطة المشبوهة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى