مجتمع

التحرش الجنسي:عائق النساء في المجتمع المغرب

دابا ماروك

التحرش الجنسي ظاهرة مجتمعية تتخطى الحدود الجغرافية والثقافية، لكنها تكتسب طابعًا خاصًا عندما تُناقش في سياق النساء في الحركات العامة المغربية. مع تزايد انخراط النساء في الفضاءات العامة والمهنية والسياسية بالمغرب، أصبحت قضايا التحرش الجنسي تبرز كعائق أمام تحقيق المساواة والتمكين الكامل للمرأة.

التحرش الجنسي: التعريف والأبعاد

يُعرف التحرش الجنسي على أنه أي سلوك غير مرغوب فيه يتسم بالطابع الجنسي ويستهدف النساء بطريقة تُشعرهن بالإهانة أو التهديد أو التهميش. يمكن أن يتجلى التحرش في عدة أشكال، منها اللفظي، مثل التعليقات غير اللائقة، أو الجسدي، مثل اللمس غير المرغوب فيه، أو النفسي، من خلال التلميحات الجنسية أو استغلال السلطة.

في السياق المغربي، يعكس التحرش الجنسي في الحركات العامة تداخلًا معقدًا بين الأعراف الاجتماعية، ومستويات الوعي القانوني، والتحديات الثقافية. هذه العوامل تجعل من الظاهرة أكثر تعقيدًا وصعوبة في المواجهة.

النساء في الحركات العامة

في السنوات الأخيرة، شهد المغرب تطورًا ملحوظًا في انخراط النساء في مختلف الحركات العامة، بما في ذلك الحركات الاجتماعية والنقابية والسياسية. تُعد النساء شريكًا أساسيًا في قيادة هذه الحركات، حيث يساهمن في تنظيم الاحتجاجات، والمشاركة في المناقشات السياسية، والدفاع عن حقوقهن وحقوق الآخرين. ومع ذلك، فإن وجودهن في هذه الفضاءات لم يكن خاليًا من التحديات.

تعاني النساء الناشطات في الحركات العامة من التحرش الجنسي بأشكاله المختلفة، مما يُعرضهن لضغوط نفسية واجتماعية. وغالبًا ما يكون التحرش وسيلة لإقصاء النساء وإجبارهن على الانسحاب من المجال العام. وتشير تقارير متعددة إلى أن التحرش الجنسي يُستخدم كأداة سياسية لتشويه سمعة النساء القياديات في الحركات الاحتجاجية، أو لابتزازهن لثنيهن عن مواصلة أنشطتهن.

العوامل المساهمة في الظاهرة

  1. الثقافة الذكورية: لا تزال الثقافة الذكورية تُهيمن على العديد من القطاعات في المجتمع المغربي، بما في ذلك الحركات العامة. يُنظر إلى النساء في بعض الأحيان ك “غريبات” في الفضاء العام، وهو ما يعرضهن لممارسات تمييزية وتحريضية.
  2. الوعي القانوني المنخفض: على الرغم من وجود قوانين تُجرم التحرش الجنسي في المغرب، مثل القانون رقم 103.13، إلا أن التوعية بشأن هذه القوانين وتطبيقها لا يزالان محدودين. العديد من النساء يجهلن حقوقهن القانونية، مما يُضعف من قدرتهن على المطالبة بالعدالة.
  3. وصمة العار: تُعتبر وصمة العار المرتبطة بالتحرش الجنسي من أبرز العقبات التي تمنع النساء من الإبلاغ عن هذه الانتهاكات. تُخشى النساء من الانتقام الاجتماعي أو من اتهامهن بالمبالغة أو بالبحث عن الاهتمام.
  4. نقص التمثيل النسائي في القيادة: يساهم ضعف تمثيل النساء في المواقع القيادية ضمن الحركات العامة في تفاقم المشكلة، حيث يفتقرن إلى دعم مؤسسي داخل هذه الحركات لحمايتهن من التحرش.

قصص وشهادات

تشير العديد من الشهادات إلى معاناة النساء المغربيات من التحرش أثناء مشاركتهن في المظاهرات أو الفعاليات العامة. على سبيل المثال، أفادت ناشطات بأنهن تعرضن للتلمحات الجنسية خلال تجمعات سياسية أو تمت مضايقتهن أثناء تنظيم فعاليات اجتماعية. ورغم ذلك، تستمر الكثير من النساء في مواجهة هذه التحديات بشجاعة وإصرار.

الجهود المبذولة لمكافحة التحرش

  1. التشريعات والقوانين: يُعتبر القانون رقم 103.13 الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2018، أحد أهم الأدوات القانونية لمكافحة التحرش الجنسي في المغرب. يفرض القانون عقوبات صارمة على المتحرشين، بما في ذلك الغرامات المالية والعقوبات السجنية.
  2. المبادرات المجتمعية: ظهرت العديد من الجمعيات والمنظمات التي تُعنى بحماية النساء من التحرش الجنسي وتقديم الدعم القانوني والنفسي لهن. تعمل هذه الجمعيات على زيادة الوعي بالظاهرة وتشجيع النساء على التبليغ عن الانتهاكات.
  3. الإعلام ودوره: يلعب الإعلام دورًا محوريًا في تسليط الضوء على قضايا التحرش الجنسي. من خلال البرامج التلفزيونية والتقارير الصحفية وحملات وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للإعلام تغيير الصور النمطية وتعزيز الحوار المجتمعي.

الحلول المقترحة

  1. تعزيز الوعي والتعليم: ينبغي إطلاق حملات توعوية مستدامة لتثقيف المجتمع حول خطورة التحرش الجنسي وآثاره السلبية. يجب أن تبدأ هذه الحملات من المدارس، حيث يتم تعليم الأطفال احترام الآخرين ومساواة الجنسين.
  2. تشجيع الإبلاغ: يجب إنشاء قنوات آمنة وسرية تتيح للنساء الإبلاغ عن حالات التحرش دون خوف من الانتقام أو الوصمة.
  3. زيادة تمثيل النساء في الحركات العامة: تمكين النساء من الوصول إلى مواقع قيادية داخل الحركات العامة، مما يُسهم في خلق بيئة أكثر عدلاً واحترامًا.
  4. التطبيق الصارم للقوانين: يجب ضمان التطبيق الصارم للقوانين المتعلقة بالتحرش الجنسي، مع توفير التدريب المناسب للجهات الأمنية والقضائية للتعامل مع هذه القضايا بحساسية وعدالة.

الخلاصة

التحرش الجنسي يشكل تحديًا كبيرًا أمام النساء في الحركات العامة المغربية، لكن، يمكن تجاوزه. من خلال الجهود المشتركة بين المجتمع المدني، والمؤسسات الحكومية، والإعلام، يمكن تحقيق تغيير حقيقي يضمن للنساء حقهن في المشاركة الكاملة والآمنة في الفضاءات العامة. إن مكافحة التحرش ليست مجرد قضية نسوية، بل هي قضية مجتمع كامل يسعى لتحقيق العدالة والمساواة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى