التمييز داخل المغرب: وطن متعدد الدرجات في عصر المساواة المزعومة
م-ص
في مغرب يرفع شعارات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، يبرز واقع يومي يطرح أسئلة عميقة عن مفهوم المواطنة والمساواة. من يعيش في رفاهية يتسلل إليها عبر الامتيازات، وآخر يعيش على هامش الحقوق الأساسية، يفضح التناقض بين النصوص القانونية والواقع العملي. فما الذي يجعل البعض مواطنين من “الدرجة الأولى”، بينما يعيش آخرون وكأنهم ينتمون إلى درجة رابعة أو أدنى؟
المشهد العام: من شعارات المساواة إلى واقع التفرقة
من يراقب المغرب عن بعد قد ينبهر بتقدمه في مجالات مثل البنية التحتية والاستثمار، لكن قرب العدسة يكشف صورة أخرى: طبقات اجتماعية تتعايش وكأنها عوالم موازية. في المدن الكبرى، تسكن فئات ميسورة في أحياء تتوفر فيها كل مقومات الحياة العصرية، من مدارس خاصة ومستشفيات دولية إلى نوادي حصرية. أما في القرى النائية أو أحياء المهمشين، فما زال الوصول إلى مدرسة قريبة أو مستوصف صحي يبدو وكأنه حلم بعيد المنال.
الاقتصاد: التفاوت أساس التمييز
الهوة الاقتصادية هي المحرك الرئيسي لهذا التصنيف غير المعلن. قلة تسيطر على الثروة وتُمسك بزمام القرار الاقتصادي، فيما الأغلبية تصارع لإبقاء رؤوسها فوق سطح الماء. الوظائف الحكومية والمناصب الكبرى تُقسم حسب العلاقات والمحسوبيات، وليس وفق الكفاءة. المواطن من “الدرجة الأولى” يجد الفرص في متناول اليد، بينما يُترك الآخر في طوابير الانتظار أمام الإدارات والمكاتب بحثًا عن حقوقه البسيطة.
التعليم: بداية الفجوة
التعليم الذي يُفترض أن يكون أداة للمساواة، أصبح في المغرب أداة لإعادة إنتاج التمييز. مدارس النخبة تُجهّز تلاميذتها ليصبحوا قادة المستقبل، بينما يعاني التعليم العمومي من ضعف التكوين، الاكتظاظ، وانعدام الموارد. الأطفال في المناطق القروية يُجبرون على قطع كيلومترات يوميًا للوصول إلى مدارس متهالكة، بينما يُنقل أبناء النخب بسيارات مكيفة إلى مدارسهم الخاصة.
الصحة: حق مؤجل للبعض
التمييز يظهر أيضًا بوضوح في قطاع الصحة. هناك مستشفيات خاصة تُقدّم خدمات بمواصفات عالمية، لكن بأسعار لا يقدر عليها إلا “مواطنو الدرجة الأولى”. وفي المقابل، يُترك الآخرون يواجهون الاكتظاظ، قلة الأطباء، ونقص المعدات في المستشفيات العمومية، مما يجعل الحصول على علاج بسيط تحديًا قد يكلف حياة.
المحسوبية والفساد: نظام الظل الذي يعمق الهوة
المحسوبية في المغرب ليست استثناء بل قاعدة غير معلنة. الملفات لا تتحرك إلا بوساطات، والإجراءات لا تُستكمل إلا عبر علاقات. هذا الواقع يعزز شعور المواطنين من “الدرجات الدنيا” بأنهم مجرد أرقام تُترك في الخلف، بينما تتسارع المعاملات للأصدقاء وأصحاب النفوذ.
ماذا بعد؟ الطريق نحو التصحيح
الاعتراف بالتمييز هو الخطوة الأولى نحو التغيير. المغرب بحاجة إلى ثورة في المفاهيم والتطبيقات:
- إصلاح التعليم: توفير تعليم عمومي ذو جودة عالية للجميع، بحيث يصبح وسيلة لصناعة الكفاءات بدلًا من إعادة إنتاج الفقر.
- توسيع الحماية الاجتماعية: ضمان وصول الخدمات الصحية للجميع دون تمييز طبقي أو جغرافي.
- محاربة المحسوبية والفساد: تعزيز الشفافية والمساءلة، ووضع سياسات صارمة تضمن تكافؤ الفرص للجميع.
- إحياء قيم المواطنة الحقيقية: يجب أن يشعر كل مغربي، بغض النظر عن وضعه الاجتماعي، بأنه شريك متساوٍ في بناء الوطن.
الخاتمة: زمن النهوض أو الاستسلام
المغرب اليوم يقف أمام مفترق طرق. التمييز لا يُهدد فقط العدالة الاجتماعية، بل يهدد أساس الاستقرار الوطني. إذا استمر تقسيم المواطنين إلى “درجات”، فإن الشعور بالاغتراب في وطنهم سيزداد، مما يُضعف روح الانتماء والهوية الجماعية.
إن تحقيق المساواة الحقيقية ليس خيارًا سياسيًا فقط، بل ضرورة وطنية لبناء مغربٍ ينتمي إليه الجميع، بلا درجات ولا تصنيفات.