مجتمع

سيارات الأجرة في المغرب: بين الإصلاحات المتعثرة وظروف العمل الهشة

دابا ماروك

يعد قطاع النقل بواسطة سيارات الأجرة من القطاعات المهنية الحيوية في المغرب، نظرًا لدوره الكبير في تأمين التنقل داخل المدن والقرى عبر جميع أنحاء المملكة. يتكون القطاع من أسطول ضخم يضم حوالي 77,100 سيارة أجرة، منها 44,600 من الصنف الأول (المخصصة للركاب بين المدن) و32,500 من الصنف الثاني (التي تؤمن النقل داخل المدن). كما يشغل القطاع أكثر من 170,000 سائق مهني، ما يجعله أحد المصادر المهمة للدخل بالنسبة للعديد من الأسر، ويساهم بشكل بارز في الدورة الاقتصادية المحلية، إضافة إلى إسهاماته المالية المهمة لخزينة الدولة.

رغم أهمية هذا القطاع، يواجه سائقو سيارات الأجرة العديد من التحديات الاجتماعية والمهنية التي تؤثر على استقرارهم الوظيفي وجودة حياتهم. من أبرز هذه التحديات، هشاشة وضعهم الاجتماعي، غياب الحماية الاجتماعية الكاملة، فضلاً عن الاستقرار المهني الذي يعاني منه العديد منهم بسبب ضعف التنظيم وعدم وضوح القوانين المنظمة لهذا القطاع. هذا الوضع يجعل العديد من السائقين يعملون في ظروف غير مستقرة، ويؤثر سلبًا على حياتهم المعيشية.

الحوار الاجتماعي: محاولات التنظيم والتطوير

على الرغم من الأهمية الكبيرة التي يمثلها قطاع النقل بواسطة سيارات الأجرة، فإن الحلول المقدمة لتطويره وتحسين ظروف العمل للسائقين لم تكن كافية حتى الآن. وزارة الداخلية، من خلال الحوار مع التنسيق النقابي الوطني الخماسي المكون من:

  • الاتحاد المغربي للشغل
  • الاتحاد العام للشغالين بالمغرب
  • الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب
  • الكونفدرالية الديمقراطية للشغل
  • الفيدرالية الديمقراطية للشغل

قامت بإطلاق سلسلة من الإصلاحات التي تهدف إلى تنظيم القطاع والحد من الفوضى والعشوائية التي كانت تميز العمل فيه. هذا الحوار أسفر عن محضر اتفاق كان بمثابة نقطة انطلاق لإصلاحات قانونية وتنظيمية تهدف إلى تنظيم استغلال رخص سيارات الأجرة، وضبط الدخول إلى المهنة، وتحديد شروط تنظيم القطاع بشكل أكثر مهنية.

التنظيم والتحديات الناتجة عن الإصلاحات

أدت هذه الإصلاحات إلى إصدار عدة دوريات وزارية تضمنت إجراءات تهدف إلى إعادة تأهيل القطاع، منها:

  • الدورية 444: التي تهدف إلى تنظيم استغلال رخص سيارات الأجرة، والتأكيد على تكريس المهنية في القطاع، بما في ذلك شروط الولوج إلى المهنة.
  • الدورية 336: التي تتعلق بالتغطية الصحية والاجتماعية لسائقي سيارات الأجرة الحاملين لبطاقة السائق المهني.
  • الدورية 750: المتعلقة بمعالجة طلبات تحويل رخص سيارات الأجرة أو تغيير نقاط انطلاقها أو صنفها.
  • الدورية 262: التي تتعلق بتأسيس الشركات بالنسبة لمتعددي العقود.
  • الدورية 455: التي تهدف إلى تحسين جودة خدمات النقل بواسطة سيارات الأجرة.

رغم هذه الإصلاحات، لا تزال هناك تحديات كبيرة في تطبيقها بشكل موحد. ففي بعض المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط، لم يتم إصدار بعض القرارات المتعلقة بتنظيم القطاع وفقًا للإجراءات الجديدة، مما يخلق حالة من الفوضى التنظيمية ويزيد من معاناة السائقين. كما أن العديد من الهيئات التي لم تشارك في الحوار مع وزارة الداخلية ترى أن هذه الإجراءات تمس حقوقهم الاجتماعية، وهو ما يخلق تضاربًا في المصالح داخل القطاع.

التحديات المستقبلية وأهمية الشمولية في الإصلاح

إن الإصلاحات المتخذة حتى الآن تمثل خطوة مهمة نحو تحسين تنظيم قطاع النقل بواسطة سيارات الأجرة، لكنها لا تزال غير كافية لضمان استقرار السائقين وحمايتهم الاجتماعية. يتطلب الأمر إشراك جميع الهيئات النقابية والجمعوية المعنية، لضمان التوازن بين مصالح مختلف الأطراف. يجب أيضًا العمل على تنفيذ القرارات الجديدة في كافة المدن والمناطق، بما يضمن تكافؤ الفرص بين السائقين في جميع أنحاء البلاد.

بجانب ذلك، من الضروري تحسين شروط العمل للسائقين من خلال تحسين الأجور، توفير التأمينات الصحية والاجتماعية، وتحقيق استقرار مهنى حقيقي. كل ذلك سيساهم في توفير بيئة عمل أكثر استقرارًا واحترافية، ويساعد على تقليل الهشاشة الاجتماعية التي يعاني منها السائقون، مما ينعكس إيجابًا على قطاع النقل ككل وعلى الاقتصاد الوطني.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى