فن وثقافة

سينما النجاح: بين أطلال الذكريات وإهمال المسؤولية الثقافية

دابا ماروك

تعد سينما النجاح الواقعة في حي العالية بمدينة المحمدية، واحدة من أقدم وأشهر المعالم الثقافية التي ارتبطت بذاكرة جيل كامل، خاصة أولئك الذين عاشوا فترة ازدهارها في الستينات والسبعينات. كانت بمثابة نقطة إشعاع ثقافي وفني، تشهد على تألق السينما في زمن كان يشهد فيه الناس على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية والفكرية توافداً مستمراً على دور العرض لمشاهدة الأفلام السينمائية. لكن، رغم مكانتها التاريخية، لم تُقدَّر السينما كما ينبغي، ولم تُحسن العناية بها كما كان ينبغي لأحد أبرز صروح الثقافة في المدينة.

كانت سينما النجاح، إلى جانب سينما الميامي في منطقة المرسى -والتي كانت قد فتحت بابها خلال الخمسينات-، معلمتين بارزتين في عالم السينما في المحمدية، حيث كانت تعرض الأفلام التي تنبض بالحياة والفن. ومع ذلك، كانت سينما الميامي، التي تقع في حي أكثر جذباً سياحياً، تتفوق أحياناً في انتقاء أفلامها، فيما كانت سينما النجاح تُميز أكثر بالأفلام الشعبية أو تلك التي تقتصر على فئة معينة من الجمهور، مما جعلها تشهد تراجعاً تدريجياً في أعداد الزوار على مر السنين.

ومع دخول الثمانينات، بدأ زمن السينما التقليدية في المغرب يشهد تراجعاً عاماً، خاصة بعد موجة الانفتاح على القنوات التلفزيونية والظهور المتزايد للأفلام الأجنبية على شاشات التلفاز. في تلك الفترة، أُغلِقَت سينما النجاح إلى جانب سينما الميامي، لتدخل في غياهب الإهمال، وهو ما يعكس وضع السينما في المغرب في تلك الحقبة التي شهدت تغييرات ثقافية واجتماعية كبيرة.

أما سينما الميامي، التي كانت ذات شهرة كبيرة في فترة ازدهارها، فقد شهدت تحولاً ملموساً إلى مشروع سكني، حيث تم هدمها لبناء عمارات سكنية جديدة. ربما كان هذا التغيير في وجهة المشروع أمراً واقعياً يواكب التطور العمراني السريع الذي شهدته المدينة، لكنه لا يخلو من مرارة على صعيد الحفاظ على التراث الثقافي والفني. أما سينما النجاح، فقد ظلت كما هي، في حالة من الجمود والإهمال، دون أن تُرمم أو يُعاد تأهيلها بما يتناسب مع أهمية مكانتها في تاريخ المدينة. فهي، ببساطة، أصبحت أطلالاً، لا هي عادت حية كما كانت في السابق، ولا هي تحولت إلى مكان آخر يخدم غايات اقتصادية أو اجتماعية.

قد يرى البعض أن هذا الإهمال يعزى إلى أن الأمر يتعلق بالملاك وأصحاب العقارات، وهم الذين يتحكمون في مصير هذا المعلم التاريخي. لكن الأمور، في الواقع، أبعد من ذلك. أحد هؤلاء الملاكين هو رئيس جماعة المدينة، وهو شخص يتولى منصباً يفترض أن يضمن العناية بالجمالية والحفاظ على التراث الثقافي للمدينة. إذا كان من المفترض أن تكون مسؤولية الحفاظ على التراث جزءاً من أدوار رؤساء الجماعات، فإن ما يحدث في حالة سينما النجاح يثير العديد من التساؤلات حول كيفية إدارة هذه الأماكن الثقافية في المغرب بشكل عام، خاصة وأن المحمدية عرفت تزايدا سكانيا كبيرا، مما يضع عليها مسؤولية مضاعفة للحفاظ على ماضيها الثقافي والإبداعي.

إن مسؤولية رئيس الجماعة لا تقتصر على تحسين البنية التحتية للمدينة فقط، بل تمتد لتشمل العناية بالتراث الثقافي والحضاري للمدينة. في حالة سينما النجاح، على سبيل المثال، كان بالإمكان التفكير في إعادة ترميمها وتحويلها إلى مركز ثقافي يليق بتاريخها ويعيد لها بريقها. كان من الممكن أن تصبح مكاناً لعرض الأفلام المغربية والعالمية، أو مركزاً للفنون التشكيلية أو العروض المسرحية، مما يساهم في إثراء الحياة الثقافية في المدينة وتوفير فضاء للحوار بين الأجيال المختلفة حول قيمة الفنون في المجتمع.

الملاحظ هنا أن السينما كانت ولا زالت تمثل أحد أوجه الثقافة الشعبية في المدن الكبرى، ويجب أن تلعب دوراً أكبر في تعزيز الهوية الثقافية المحلية، بينما يظل تهميش هذه المعالم الثقافية والتاريخية مثالاً على إغفال المدينة لموروثها. يمكن القول أن عدم إحياء هذه المعالم ليس مجرد إغفال لذكريات الماضي، بل أيضاً إهمال لحاضر المدينة الثقافي ومستقبلها الفني.

إن الحفاظ على المعالم الثقافية والتاريخية، مثل سينما النجاح، يتطلب رؤية ثقافية شاملة وإرادة سياسية من المسؤولين في مجال الحكامة المحلية، للبحث عن طرق مبتكرة لإعادة إحياء هذه الأماكن وجعلها تلعب دوراً في تنمية الثقافة والفن في المدينة. إن هذه الأماكن يجب أن تُعامل كجزء من هوية المدينة، وليس فقط كأملاك خاصة، إذ أن التراث الثقافي ليس مجرد ملكية خاصة، بل هو ملك للمجتمع بأسره، ومصدر للإلهام والتعلم للأجيال القادمة.

في الختام، من المهم أن يتحمل كل من المسؤولين والمجتمع المدني والمواطنين المسؤولية الجماعية في الحفاظ على التراث الثقافي للمدينة، إذ أن العناية بمعالم مثل سينما النجاح هي خطوة إيجابية لبناء مدينة تتناغم فيها الحداثة مع التاريخ، ويسهم فيها كل فرد في الحفاظ على الذاكرة الثقافية الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى