صياد النعامة يلاقها، يلاقها
عبد القادر المغربي
في المشهد العام الذي لا يكفّ عن تقديم عروض تثير الحيرة والاستفهام، يبرز أحيانًا شخص أو موقف يعيد تعريف “سقف الجرأة” وحدود اللباقة في الكلام. وفي وطنٍ عريق كالمغرب، حيث الكلمة لها وقعها الثقافي والاجتماعي، يأتي تصريح أو كلمة في غير محلها لتحول الحدث إلى مادة دسمة للنقاش والسخرية، دون أن يطلب أحد ذلك.
هذا الرجل، لا شك أنكم عرفتموه، هو نموذج لفئة تجيد الحديث بلا توقف، ولكن حين يصبح الكلام لا يتوقف، يُفتح باب الزلات على مصراعيه. فحديثه الذي بدا وكأنه ماراطوني لغوي، انتهى بتلك الكلمة التي قد يحتاج سنوات لتجاوز وقعها. الكلمة التي إن كانت في نية صاحبها بريئة، فإن وقعها في آذان الناس كان كل شيء عدا ذلك.
بين الجرأة واللامبالاة
الجرأة في التعبير عن الرأي، وإن كانت ضرورية، تحتاج إلى حد أدنى من اللباقة والوعي بتبعات الكلمة. في زمن تتحول فيه الزلات إلى عناوين رئيسية وموضوعات ساخرة عبر المنصات الاجتماعية، يصبح التفكير مليًا قبل الحديث شرطًا للبقاء بعيدًا عن عاصفة النقد. ولكن يبدو أن ضيفنا اختار طريقًا معاكسًا تمامًا.
ليس غريبًا أن يتحول تصريح واحد إلى موضوع النقاش الوطني. فالمغاربة، بعفويتهم وذكائهم الاجتماعي، لديهم قدرة خارقة على تحويل الهفوات إلى نكث ساخرة. وما إن قال الرجل ما قال، حتى أصبحت كلماته وقودًا لمحركات الإبداع الساخر على الإنترنت، حيث أطلق المغاربة العنان لإبداعهم في صناعة الميمات والتعليقات التي لا ترحم.
اللسان… سيف ذو حدين
لا شك أن الرجل الذي ملأ الدنيا حديثًا لم يتوقع أن ينقلب الأمر عليه بهذا الشكل. فالكلام، رغم سهولته، أشبه بالمصيدة: الكلمة التي تخرج لا تعود. وكلما كانت الكلمة أقل توازنًا، كلما كان أثرها أكثر عمقًا.
تصرف هذا الرجل يذكرنا بحكمة شعبية مغربية قديمة: “اللسان ما فيه عظم، ولكن يكسر العظام.” وما حدث هنا مثال حيّ على أن الكلمة الخاطئة يمكن أن تكون نقطة النهاية لطموحات كبيرة.
الناس لا ينسون
ما يميز الجمهور المغربي هو ذاكرته الحية. يمكن أن تُنسى الإنجازات بسهولة، لكن الهفوات تبقى محفورة في الأذهان، خاصة حين تكون بحجم ما قاله صاحبنا. يبدو أن عبارة “صياد النعامة يلاقها” قد وُلدت لتُلخص موقفه: فالرجل الذي تحدث بلا توقف انتهى أو سينتهي كايتيم في العيد في النهاية بمواجهة ثمار ما زرعه لسانه.
الدرس المستفاد
في زمن السرعة الإعلامية، يُصبح التحكم في الكلمة فنًا لا غنى عنه، وإدراك حدود الجرأة ضرورة ملحّة. لأن من يتجاهل ذلك قد يجد نفسه وسط عاصفة لا تهدأ من الانتقادات والسخرية.
لا شك أنكم عرفتموه. تلك العبارة التي قالها، والتي ينقصها قدر كبير من اللباقة، ستظل درسًا في أن الكلمة تملك من القوة ما يجعلها سلاحًا مدمرًا إذا لم تُستخدم بحكمة.
وفي النهاية، يُقال إن صياد النعامة يلاقها، يلاقها.