مجتمع

الجوطية… سويسرا المحمدية التي لا تحتاج إلى فيزا

دابا ماروك

في قلب المحمدية، هناك مساحة بالعالية،  تُعرف بـ”الجوطية”، حيث تختلط البضائع العتيقة بالمستجدة، وتتداخل الحكايات الواقعية بالخيال الشعبي، تمامًا كما تتداخل عربات البيع المجرورة بالمحلات التي تبدو وكأنها قفزت من فيلم قديم دون إذن مخرج. وبين همسات التجار وسخطهم وبين إشاعات الهدم وإعادة البناء، يبدو أن الجوطية لم تعد مجرد سوق عادي، بل أصبحت ملعبًا ساخنًا للسياسة والاقتصاد وحتى الكوميديا السوداء.

إشاعة الهدم: مسلسل درامي بأجزاء لا تنتهي

منذ أن تسربت إشاعة هدم الجوطية، تحوّل المكان إلى مشهد سينمائي: وفود من التجار تشد الرحال إلى جماعة المدينة للاحتجاج، وكأن الهدم مؤامرة كونية تهدد اقتصاد “السويسرا المحمدية”. ومن يدري؟ قد تُكتب مستقبلاً رواية بعنوان “جوطية تحت الحصار” توثق لحظات المواجهة بين التجار والمجهول.

عدد التجار؟ لغز يستحق برنامجًا استقصائيًا

عدد تجار الجوطية، مثل باقي تفاصيلها، هو سر من أسرار المحمدية التي تستحق ملفًا خاصًا في وزارة الألغاز. فالسوق يعرف ظاهرة التمدد السحري، حيث تنبت المحلات بين ليلة وضحاها كما تنبت الفطر، فيما يتزاحم الباعة المتجولون داخل الجوطية كما لو أن الأمر مهرجان تسوق دولي بلا قيود.

ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: كم من هؤلاء التجار يدفع فعليًا واجب الكراء للجماعة؟ الإجابة معروفة لدى الجميع… “قليل جدًا، وإن دفعوا، فالوجهة غير معلومة”.

عربات البيع… نشاط تجاري أم استراتيجية توسعية؟

بعض تجار الجوطية لا يكتفون بمحلاتهم، بل يخوضون مغامرات تجارية من نوع خاص: توزيع عربات مجرورة حول الجوطية، وكأنهم يسعون لتحويل المحيط بأكمله إلى امتداد للسوق. إنه إبداع اقتصادي يثبت أن الجوطية ليست مجرد مكان، بل عقلية اقتصادية مستقلة بذاتها.

“سويسرا”: من يملك المفتاح؟

الجوطية تُلقب بـ”سويسرا”، ولكن ليس بسبب النظام أو الرقي، بل بسبب المداخيل المالية الهائلة التي تجنيها، والتي لا تجد طريقها إلى جماعة المدينة، بل إلى “الصندوق العجيب” للملحقة الإدارية الثانية. يبدو أن هذه الملحقة تُدير الجوطية كأنها شركة خاصة، تُحدد أثمنة المساحات الأرضية وتفرض إتاوات على كل بناء عشوائي، وكأنها بورصة صغيرة لتجارة الفوضى.

القانون: شاهد لم يستدعِه أحد

حتى إذا قررت الجماعة إعادة هيكلة الجوطية، فإن القانون يفرض استئذان وزارة الداخلية، وهو ما يبدو كخطوة تُضاف إلى قائمة الأمور المؤجلة في البلاد. فهل نعيش في انتظار الترخيص؟ أم أن للجوطية قوانينها الخاصة التي تُدار بمزاج سلطات الظل؟

دعوة جمعية التجار: من أجل التنظيم لا المواجهة

لا يمكن إغفال دور جمعية تجار الجوطية في هذه الدوامة. وإذا كان الحديث عن الإصلاح والتنظيم ضرورياً، فإن الجمعية هي الجهة الأنسب للمساهمة في وضع حد للفوضى والازدواجية، من خلال التنسيق مع الجهات المعنية وتمثيل مصالح التجار بمسؤولية. هذه الدعوة مفتوحة للجمعية لتكون شريكاً في الحل، لا مجرد مراقب أو طرفاً قد يُفسَّر اعتراضه كدفاع عن وضع غير مقبول.

دعوة لتحقيق… أم مسرحية جديدة؟

الخلاصة، أن الجوطية ليست مجرد سوق، بل هي مرآة تعكس واقعاً أكثر تعقيداً مما يبدو. ما بين التجار والباعة المتجولين، والجماعة والمقاطعة، تبدو الجوطية وكأنها مسرح كبير، يحتاج إلى تحقيق نزيه فعلاً.

لكن، هل من الممكن أن يتم ذلك؟ أم أن “التنافس” في هذا السوق يعني شيئاً آخر تماماً؟ ربما الجواب يكمن في إعادة تعريف كلمة “تنظيم” بطريقة تليق بــ”سويسرا” المحمدية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى