مجتمع

أستاذ في حالة حرجة: دراما جديدة في مسلسل معاناة رجال التعليم

دابا ماروك

في أحد فصول المأساة اليومية التي يعايشها رجال التعليم في المغرب، سجلت مدينة فاس حادثة جديدة أظهرت حقيقة مُرة عن الأوضاع النفسية والعملية التي يعاني منها أساتذة التعليم. وهكذا، استقبل قسم المستعجلات بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس صباح اليوم الجمعة، أستاذًا للتعليم الابتدائي في حالة حرجة، بعدما أقدم على محاولة وضع حد لحياته بطريقة مروعة، وذلك بإلقاء نفسه من شرفة إحدى البنايات داخل مدرسته.

محاولة انتحار: بين التراكمات والإحباطات

ربما يكون هذا الحادث، الذي هزّ أرجاء مدينة فاس، نقطة في بحر من المعاناة التي لا تُرى أو لا تُسمع، وتُختصر في عبارة “مواطنون بلا حقوق”. لكن هذا الأستاذ، الذي نزل من شرفته كما لو كان يتدرب على القفز المظلي في ظروف أقل ما يقال عنها أنها “تراجيدية”، ربما لم يكن يبحث عن المغامرة، بل كان يركض نحو “النجاة” من معركة يومية مع معاناة لم يعد يتحملها.

كيف وصل إلى هذا الحد؟

من داخل مؤسسة محمد الغزاوي، حيث وقعت الحادثة، أُشيع أن الأستاذ كان يعاني من أزمة نفسية حادة خلال الأيام الأخيرة. ولكن، هل يُعقل أن تكون هذه الأزمة قد وصلت به إلى هذه النقطة من اليأس؟ ربما هناك مئات القصص غير المروية لأساتذة آخرين يعانون بصمت، ويمرون في طي النسيان بين مطالبات بالإصلاحات التي لا تأتي، وظروف العمل القاسية التي لا تنتهي.

المعاناة اليومية: “خطة الأجور المُزهِدة

إذا كنت تعتقد أن الرجل في هذا الميدان يتقاضى أجرًا كبيرًا مقابل هذا “العناء”، فدعني أصدمك. ما يحصل عليه هؤلاء الأساتذة، الذين يتحملون مسؤولية بناء أجيال المستقبل، قد يكون أقل من ما يدفعه المواطن لأجرة “تاكسي” خلال يوم مزدحم. ورغم ذلك، لا يتوقف عنهم الضغط: بداية من الأكوام المكدسة من الأوراق والاختبارات، مرورًا بالحوامل التي لا تعد ولا تحصى، وصولًا إلى مواجهتهم لغضب الأهالي والقرارات الوزارية التي تبدو أكثر تخبطًا من خطة استعادة توازنات الكرة الأرضية.

ما وراء الكواليس: “ماذا نريد من أساتذة بلا دعم؟

نعود إلى سؤال: ما الذي دفع هذا الأستاذ إلى أن يحاول رمي نفسه من نافذة النظام التعليمي المغربي؟ هل كان يبحث عن الهروب من الواقع المُرهق، أم كان يحمل رسالة لمن يهمهم الأمر؟ إذا كان من المفترض أن يكون التعليم هو الأساس لبناء أمة، فهل من الممكن أن يتواجد هذا الأساس مع رجال التعليم الذين يعانون في صمت، بل أحيانًا يختنقون في هذا الواقع المأزوم؟

هذه الحادثة تعكس غيضًا من فيض معاناة الأطر التعليمية في المغرب. صحيح أن هناك إشارات تحسين هنا وهناك، لكن لا يمكن أن ننكر أن الميدان التربوي يعاني من نقص في الدعم النفسي، والتأهيل، والتقدير، وحتى من تحسين شروط العمل. وعندما نرى الأساتذة يُسحبون إلى مستشفيات المدينة في حالات حرجة، فربما حان الوقت للتوقف عن إلقاء الوعود فارغة المضمون، والبحث عن حلول حقيقية.

الكلمة الأخيرة: هل من مجيب؟

الخبر الذي هزّ الجسم التربوي بمدينة فاس، كما في باقي المناطق المغربية، ليس مجرد حادث فردي، بل هو دعوة مُلِحّة لتحسين الظروف المعيشية والمهنية للأساتذة في المغرب. في النهاية، لم يعد الأمر مجرد مسألة رواتب أو حقوق، بل مسألة إنسانية. فكيف نتوقع أن تبني الأجيال في بيئة مليئة بالضغوط النفسية والمعنوية؟ الإجابة واضحة: لا يمكن.

وبينما ننتظر تحقيقات المصالح الأمنية للوقوف على ملابسات الحادث، يبقى السؤال الذي يُطرح: متى سيأتي اليوم الذي يتوقف فيه هذا الجحيم اليومي عن رجال التعليم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى