
“ناطقون باسم الحكومة”… في صورة مواقع إلكترونية
دابا ماروك
في المشهد الإعلامي الحالي، حيث الانتشار الكبير للمواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، بات من الصعب التمييز بين الصحافة التي تحمل رسالة مهنية، وبين منصات أخرى تتخذ من التصفيق والتلميع هدفًا رئيسيًا لها. هذه الظاهرة، التي يمكن وصفها بـ”طبالة وزمارة”، تسهم في تشويه دور الإعلام كسلطة رابعة وتسلبه دوره في الرقابة والنقد البنّاء.
عندما تصبح المواقع “أصواتًا رسمية غير معلنة“
في كل حكومة، يُفترض أن يكون هناك ناطق رسمي واحد، مسؤول عن إيصال المعلومة وتوضيح القرارات للعموم. لكن في واقع الحال، يبدو أن بعض المواقع الإلكترونية اختارت بملء إرادتها لعب دور “الناطق غير الرسمي”، عبر الترويج المفرط لكل ما يصدر عن الحكومة، حتى لو كان ذلك على حساب الموضوعية أو الحقيقة.
هذه المواقع لا تكتفي بنقل الأخبار، بل تضيف إليها جرعة زائدة من التلميع والدعاية، متجاهلة مسؤوليتها في تقديم المعلومة الدقيقة وتحليلها بموضوعية. وهو ما يثير تساؤلات حول استقلاليتها ومصداقيتها، فضلًا عن تأثيرها السلبي على الرأي العام.
الإعلام بين التوازن والحقيقة
نحن لسنا ضد نشر الأخبار الإيجابية، بل نؤمن أن إبراز الإنجازات أمر ضروري لبناء الثقة وتعزيز الأمل. ولكن حين يتعلق الأمر بحكومة حطمت الأرقام القياسية في عدد الإضرابات وزيادة الأسعار والاختلالات في وفرة المواد الغذائية، فإن التغطية الإعلامية يجب أن تكون أكثر توازنًا وواقعية.
هذه الحكومة، التي تتعرض يوميًا لانتقادات بسبب السياسات التي أثقلت كاهل المواطنين، لا تضم ملائكة معصومين من الخطأ. وبالتالي، فإن واجب الإعلام ليس التطبيل لما يُحسنون فعله فقط، بل الوقوف بجانب الشعب في كشف النقائص، ومساءلة المسؤولين عن السياسات التي أدت إلى هذا الاحتقان الاجتماعي، من ارتفاع أسعار المواد الأساسية إلى تواتر الاحتجاجات في مختلف القطاعات.
الإعلام ليس خصمًا للحكومة، لكنه شريك في تصحيح مسارها، وإذا غاب هذا الدور، فإن المواطن سيبقى بلا صوت، والحكومة بلا رقيب.
الصحافة بين المسؤولية والانحراف
الإعلام، كما يُعرف، هو مرآة المجتمع وصوت المواطن، لكن حين يتحول إلى منصة للتطبيل، يفقد قيمته الأساسية. الصحافة الحقيقية تُقيم أداء الحكومة، تُسلط الضوء على القضايا المغفلة، وتفتح نقاشًا جادًا حول السياسات العامة. أما الصحافة التي تسعى فقط إلى كسب رضا السلطة، فهي تسهم في إضعاف الثقة بين المواطنين والإعلام.
لماذا تروج هذه الظاهرة؟
- أجندات خفية: بعض المواقع قد تكون مدفوعة بدوافع مادية أو سياسية، تسعى من خلالها للحصول على امتيازات معينة من الحكومة.
- ضعف المهنية: غياب التدريب الصحفي الجيد يجعل بعض المنصات تخلط بين النقد البنّاء والتصفيق الأعمى.
- التنافس على الشهرة: في ظل الكم الهائل من المواقع الإلكترونية، يعتمد البعض على تبني خطاب يوافق السلطة لجذب الانتباه وتأمين استمراريته.
تأثير هذا السلوك على المجتمع
- فقدان الثقة: المواطن يفقد ثقته في الإعلام حين يرى تحيّزًا واضحًا، مما يدفعه إلى البحث عن مصادر بديلة قد لا تكون أكثر مصداقية.
- تضليل الرأي العام: التطبيل والتلميع يقدمان صورة غير واقعية عن الوضع الحقيقي، مما يمنع حدوث نقاشات بنّاءة.
- تغييب القضايا المهمة: التركيز على تمجيد الحكومة يأتي على حساب قضايا المواطنين الحقيقية التي تحتاج إلى متابعة إعلامية جادة.
نحو إعلام مسؤول
لإعادة التوازن للمشهد الإعلامي، يجب التأكيد على:
- تعزيز القوانين التي تضمن حرية الصحافة واستقلاليتها، دون تدخل أو انحياز.
- محاربة الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي بآليات مراقبة فعالة.
- رفع مستوى التكوين الصحفي لضمان مهنية أكبر في التعامل مع الأخبار والقضايا.
في النهاية، الإعلام الحر والموضوعي هو أحد أسس الديمقراطية، وأي انحراف عن هذا المسار يحوّله إلى أداة تفقد قيمتها وأهميتها. فالمواطن يحتاج إلى إعلام يخدمه، لا إعلام يصفق لمن يحكمه.