
الرأي
العدالة الانتقالية في المغرب: نموذج رائد لتحقيق المصالحة والإصلاح المستدام
دابا ماروك
وجه جلالة الملك محمد السادس رسالة سامية للمشاركين في المناظرة الدولية حول العدالة الانتقالية، المنعقدة بمناسبة الذكرى العشرين لإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة. وفيما يلي تحليل لما جاء في مضمون الرسالة:
1. السياق التاريخي والسياسي:
- تحول ديمقراطي فريد: الرسالة تؤكد على أن إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة كان منعطفًا حاسمًا في المسار الديمقراطي بالمغرب، فهو امتداد لنهج سياسي قائم على الجرأة والشفافية في معالجة الماضي.
- الارتباط بخصوصيات المغرب: العدالة الانتقالية المغربية استندت إلى الخصوصيات التاريخية والثقافية والجغرافية للمملكة، مما جعلها تجربة متفردة.
2. فلسفة العدالة الانتقالية:
- مفهوم جديد للسلطة: أشار جلالة الملك إلى أن العدالة الانتقالية تمثل رؤية طوعية وسيادية ترتكز على مفهوم جديد للسلطة قائم على المسؤولية والمحاسبة.
- مصالحة شاملة: هدفت التجربة المغربية إلى معالجة انتهاكات الماضي بجميع أشكالها، مع مراعاة الأبعاد الفردية والجماعية والنوعية.
- إشراك المجتمع المدني: انخراط المجتمع المدني بكافة أطيافه كان ركيزة أساسية في إنجاح هذه التجربة، من خلال النقاشات العمومية والحوار المجتمعي.
3. الأبعاد التنموية والحقوقية:
- العدالة المجالية: الرسالة تبرز التكامل بين العدالة الانتقالية والتنمية، حيث تم إدماج مفهوم جبر الضرر الجماعي في الخطط الإنمائية. وقد أسهم هذا في تقليص الفوارق وتحقيق تنمية شاملة، خاصة في المناطق المهمشة.
- نموذج الأقاليم الجنوبية: أشار الملك إلى أقاليمنا الجنوبية كنموذج يحتذى به في التنمية، ما يعكس التوجه نحو تحقيق تكامل اقتصادي ومجالي.
4. الإشعاع الدولي للتجربة المغربية:
- ريادة إقليمية: المغرب كان سباقًا إلى إدخال مفهوم العدالة الانتقالية في محيطه العربي والإفريقي، وأصبحت تجربته مرجعًا دوليًا.
- استمرارية الإصلاحات: أكدت الرسالة أن المغرب لا يدعي الكمال، لكنه نموذج لديمقراطية صاعدة تستند إلى تاريخ سياسي راسخ.
5. التحديات والمستقبل:
- مواصلة الإصلاحات: الرسالة الملكية تسلط الضوء على ضرورة استكمال الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية لترسيخ دولة الحق والقانون.
- التوازن بين الحقوق والواجبات: تم التأكيد على تعزيز الحقوق والحريات مع الالتزام بالواجبات والمسؤوليات.
الدلالات الاستراتيجية للرسالة:
- إبراز الهوية الوطنية: العدالة الانتقالية ليست فقط عملية حقوقية، بل تعكس التزامًا مجتمعيًا وسياسيًا بمصالحة الماضي مع الحاضر.
- توحيد الرؤية المستقبلية: الرسالة تدعو الأجيال الحالية والمقبلة إلى استلهام الدروس من هذه التجربة لضمان استدامة الإصلاحات.
- تقديم النموذج المغربي: تعتبر الرسالة دعوة مفتوحة للباحثين والمهتمين لإبراز التجربة المغربية في النقاشات الدولية.
خاتمة:
الرسالة الملكية ليست فقط احتفاء بمرور عقدين على تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، بل هي خارطة طريق تعكس تطلع المغرب إلى تعزيز الديمقراطية، التنمية، والعدالة المجالية، في انسجام مع قيم حقوق الإنسان.