
حين يلتقي الانتهازي بالانتهازية: انتهازية مضاعفة أم تحالف استراتيجي؟
دابا ماروك
العلاقات الإنسانية، بجميع أشكالها، تحمل في طياتها تنوعًا كبيرًا من السلوكات، وتظل الانتهازية واحدة من أكثر هذه السلوكيات تعقيدًا وإثارة للتأمل. عندما نطبق القاعدة القرآنية الشهيرة “الطيبون للطيبات” على الانتهازيين، يبرز سؤال لاذع: هل يمكن أن نقول “الانتهازيون للانتهازيات”؟ وهل هذا النمط من العلاقات يحمل نفس الانسجام المفترض في العلاقات القائمة على الطيبة؟
ما الانتهازية؟
الانتهازية هي سلوك يتسم بالاستفادة القصوى من المواقف لصالح الذات، غالبًا دون اعتبار للقيم الأخلاقية أو العواقب على الآخرين. الانتهازي:
- يرى الفرص في الأزمات.
- ينظر للعلاقات بوصفها وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية.
- يفتقر غالبًا إلى الاحترام العميق أو الصدق.
عندما يلتقي انتهازي بآخر…
قد تبدو العلاقة بين اثنين من الانتهازيين وكأنها تحالف استراتيجي مثالي، حيث يفهم كل منهما أهداف الآخر، وقد يتعاونان مؤقتًا لتحقيق مصالح مشتركة. لكن العلاقة سرعان ما تتعقد بسبب تناقضات داخلية، منها:
- الصراع على المصالح:
- كلا الطرفين يهدف لتحقيق مصلحة شخصية، مما يعني أن العلاقة قد تتحول إلى صراع من أجل السيطرة على المكاسب.
- غياب الثقة:
- الانتهازيون يعرفون بعضهم جيدًا، وبالتالي يبنون علاقتهم على قاعدة الحذر المتبادل بدلًا من الثقة.
- التحالف المؤقت:
- العلاقات الانتهازية غالبًا ما تكون مؤقتة، تنهار فور انتهاء الحاجة المتبادلة.
“الانتهازيون للانتهازيات”… قاعدة أم استثناء؟
بينما قد يبدو أن “الانتهازيون للانتهازيات” قاعدة طبيعية، إلا أن هناك عدة استثناءات تجعل الأمر أكثر تعقيدًا:
- التناقض في المصالح:
- ليس بالضرورة أن تنجذب الانتهازية إلى انتهازي. أحيانًا تبحث عن شخص يمكن التلاعب به بسهولة.
- الطبيعة الديناميكية للعلاقات:
- الانتهازيون قد يتجنبون بعضهم، ويفضلون شركاء أقل وعيًا بمخططاتهم لضمان استغلالهم بشكل كامل.
- وجود مصالح متعارضة:
- قد تتعارض أهداف الانتهازيين، مما يجعل العلاقة بينهما أقرب إلى حرب باردة بدلًا من تحالف.
الانتهازية في سياق العلاقات الرومانسية:
عندما تكون العلاقة بين انتهازيين علاقة عاطفية، تتضاعف التحديات:
- العلاقة الاقتصادية:
إذا كان أحدهما يسعى وراء المال والآخر يسعى وراء النفوذ، فقد يكون هناك توافق سطحي، لكنه هش. - الصراع على الموارد:
بمجرد أن يشعر أحد الطرفين أنه لا يحصل على ما يكفي، يبدأ الصراع أو الانفصال. - انعدام العاطفة الحقيقية:
العلاقة تصبح صفقة أكثر منها مشاعر، مما يجعلها عرضة للانهيار عند أول أزمة.
هل يمكن أن ينجو الانتهازيون؟
الحالات التي ينجو فيها انتهازي مع انتهازية نادرة جدًا، وغالبًا ما تتطلب شروطًا خاصة:
- توازن المصالح:
أن تكون أهداف الطرفين متكاملة بشكل لا يسبب تصادمًا مباشرًا. - ذكاء عاطفي مشترك:
كلا الطرفين يدرك ضرورة تقديم تنازلات للحفاظ على العلاقة. - تحالف ضد طرف ثالث:
في بعض الحالات، قد يوحدهما وجود عدو مشترك أو مصلحة عليا ضد طرف آخر.
“الانتهازية والطيبة: قصة مستحيلة؟”
قد يسأل البعض: ماذا لو كانت العلاقة بين انتهازي وشخص طيب؟ الإجابة تحمل نوعًا من المأساوية:
- الطيب غالبًا ما يُستغل.
- الانتهازي يحصل على ما يريد، لكن العلاقة تظل غير متوازنة وتفتقر للعدالة.
- في النهاية، يدفع الطرف الطيب الثمن الأكبر، بينما ينتقل الانتهازي للبحث عن فرصة جديدة
السياسة: ميدان خصب لـ”كوبل” الانتهازية
لا تخلو السياسة، كميدان يتشابك فيه الطموح مع المصالح الشخصية، من نماذج فريدة لهذا الصنف من “الكوبل”. في عالم السياسة، يمكن أن تجمع الانتهازية بين شخصين يسعيان لاستغلال المواقع والمناصب من أجل تحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة. قد يظهر هذا “الثنائي الانتهازي” كحلف قوي في البداية، يدّعي تمثيل قيم ومبادئ نبيلة، لكنه في الواقع مجرد تحالف مصلحي يسعى وراء السلطة والامتيازات.
السياسيون الانتهازيون غالبًا ما يكونون بارعين في التلاعب بالرأي العام، حيث يجيدون تقديم أنفسهم كمنقذين أو مصلحين، بينما يديرون خيوط اللعبة لتحقيق مكاسب خفية. وإذا اجتمع سياسيان من هذا النوع في علاقة، فإن التنافس قد يصبح أشد شراسة داخل الكواليس، أو يتحول إلى “شراكة مصلحية” مؤقتة تنهار عند أول خلاف حول توزيع الغنائم.
في النهاية، يبقى هذا النوع من العلاقات في السياسة مثالًا صارخًا على كيفية استغلال الثقة العامة لتغذية الطموحات الشخصية، مما يجعلنا نتساءل: هل يتحالف الانتهازيون حقًا لتحقيق أهداف مشتركة، أم أن كل طرف يترقب لحظة الانقضاض على الآخر؟
الخلاصة: الانتهازية كمعيار لعلاقات معقدة
العلاقات الإنسانية، سواء كانت قائمة على الطيبة أو الانتهازية، تظل معقدة بطبيعتها. ومع ذلك، فإن مقولة “الانتهازيون للانتهازيات” ليست قاعدة ثابتة، بل هي مجرد احتمال ضمن احتمالات كثيرة. في النهاية، النجاح في العلاقات يتطلب توازنًا بين القيم والمصالح، وهو ما يبدو مستحيلًا في عالم الانتهازية.
فهل يمكن للانتهازي أن يجد السعادة مع انتهازية؟ أم أن كلاهما سيظل يبحث عن فرصة أفضل؟